Saturday, October 11, 2014

أول حكم عثمان بن عفان

بعد مقتل عمر بن الخطاب استلم الحكم عثمان بن عفان ,واستفتح عهد حكمه بالعفو عن قاتل أزهق ارواح اناس ابرياء ظلما وعدوانا! القاتل هو عبيد الله بن عمر بن الخطاب الذي استشاط غضبا بعد مقتل والده عمر وأراد الاخذ بثأر أبيه فذهب الى الهرمزان وهو فارسي من أسرى المسلمين وقتله ظنا أنه أبا لؤلؤة قاتل والده , ثم قتل جُفينة وقتل كذلك ابنة أبي لؤلؤة وحلف أن سيقتل جميع السبايا وبعض المهاجرين اذا تمكن . تم توقيف عبيد الله بعد ذلك فقال علي بن ابي طالب مخاطبا عبيد الله بن عمر: ما كان ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها ؟  وقال الخليفة الجديد عثمان : (أيها الناس ، إنه كان من قضاء الله ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، أصاب الهرمزان وهو رجل من المسلمين ليس له وارثٌ إلا الله والمسلمون ؟ وأنا إمامكم ، وقد عفوت ، أفتعفون عن عبيد الله بن خليفتكم بالأمس ؟ قالوا نعم . فعفا عنه) ( كتاب السقيفة وفدك ص 88 للجوهري,  عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد)
ولما بلغ عليا بن أبي طالب ماقال عثمان قال: (سبحان الله ! لقد بدأ بها عثمان ! أيعفو عن حق إمرئ ليس بواليه ! تالله إن هذا لهو العجب.)( شرح النهج لابن أبي الحديد ج9 ص 55,  السقيفة وفدك للجوهري ص 88) . روى ابن سعد:
( قال علي لعبيد الله بن عمر: ما ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها؟ قال فكان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه، فكان علي يقول: لو قدرت على عبيد الله بن عمر ولي سلطان لاقتصصت منه.)( الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص16) ومثله أورد العسقلاني : ( فانطلق عبيد الله بن عمر فأخذ سيفه حين سمع ذلك من عبد الرحمن فأتى الهرمزاني فقتله وقتل جفينة وقتل بنت أبي لؤلؤة صغيرة وأراد قتل كل سبي بالمدينة فمنعوه... فلما استخلف عثمان قال له عمرو بن العاص: إن هذا الأمر كان وليس لك على الناس سلطان فذهب دم الهرمزان هدراً.) ( الاصابة للعسقلاني ج3 ص 234)
وعاب جمع من الصحابة ذلك فقال زياد بن لبيد البياضي في عبيد الله بن عمر بن الخطاب
ألا يا عبيد الله ما لك مهرب * ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر
أصبت دما والله في غير حله * حراما وقتل الهرمزان له خطر
على غير شئ غير أن قال قائل * أتتهمون الهرمزان على عمر
قال: فشكا عبيد الله بن عمر زيادا إلى عثمان فاستدعى عثمان زياد بن لبيد فأنشأ زياد يقول في عثمان:
أبا عمرو عبيد الله رهن * فلا تشكك بقتل الهرمزان
أتعفو إذ عفوت بغير حق * فما لك بالذي يخلى يدان
قال فنهاه عثمان عن ذلك وزبره فسكت زياد بن لبيد عما يقول ( الابيات عن البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص167)
روى المسعودي في ابن عمر :
(ولما اكثر الناس التحدث في دم الهرمزان ، أمر عثمان عبيد الله بالرحيل إلى الكوفة وأقطعه فيها داراً وأرضاً فسمي ذلك الموضع بـ ( كويفية بن عمر ), وحين تولى الإمام علي الخلافة ، طلب عبيد الله فهرب إلى معاوية ، فقال علي : لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره! فلما كانت حرب صفين قُتل فيها . وقيل : إن علياً هو الذي قتله ، ضربه ضربةً فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفُه حشوة جوفه)( مروج الذهب للمسعودي ج2 ص 385).  هرب عبيد الله الى معاوية في الشام , فالشام صارت آنذاك ملاذا لكل أعداء الامام علي بن أبي طالب,  تأمل قول الامام علي : )لئن فاتني في هذا اليوم لايفوتني في غيره.) وهو كلام عجيب فكأنه علِمَ أن سيقتله يوما وهو ما تحقق.
وذكر الذهبي :(وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هارباً منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ.)( تاريخ الاسلام للذهبي ج1 ص 472).
كانت حجة عثمان أن عمر بن الخطاب مات مقتولا فلم يحب عثمان أن يقتل ابنه عبيد الله ويجعل مأتمين في بيت عمر ؟  وهكذا اسقط حقا لله وعفا عن القاتل عبيد الله بن عمر الذي قتل رجلين وامرأة في ساعة غضب . تأمل قول الخليفة الجديد :( أنه كان من قضاء الله..) وهو مفهوم يلقي بالجرائم وتبعاتها على القضاء والقدر, صار هذا المفهوم حجة كل سلطان وخليفة ,وتلقى المسلمون هذا المفهوم ومارسوه وأسقطوا  سبب خيباتهم على الاقدار حتى أضمحلت ارادة الانسان ومسؤليته في المجتمع الاسلامي  . ثم يضيف الخليفة قائلاً (... عبيد الله ابن خليفتكم بالامس..) وهي طامة اخرى فكونه ابن الخليفة جعل الحاكم يتساهل في حكمه ويعفو عنه, ولو كان من عوام الناس لكان حكمه غير ذلك , وهذه سياسة عثمان مع الاقارب والعشيرة .
 إن الهرمزان المقتول على يد عبيد الله بن عمر كان مسلماً  وتلك حقيقة أقرها المؤرخون , حتى أن المؤرخ الذهبي أموي الهوى لم ينكرها:
(روى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: رأيت الهرمزان مهلاً بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة) (تاريخ الاسلام للذهبي ج1 ص417)
وبذلك يكون الخليفة الثالث عثمان قد غمط حق مواطن من رعايا الدولة ومسلم كذلك, فما يقول المبيضون لصفحات التاريخ في هذه المثلبة التي بدأ بها عثمان حكمه؟
بعد  الاستفتاح بالعفو عن جرائم ابن الخليفة عمر, يصعد عثمان  المنبر ليلقي خطابه الافتتاحي للخلافة فيتلعثم ثم يقول:
 (أما بعد : فان أول مركب صعب، وما كنا خطباء، وسيعلم الله, وان أمرءا ليس بينه وبين آدم إلا أب ميت لموعوظ..) ( كتاب الموفقيات للزبير بن بكار , صفحة 202) ثم ينزل عن المنبر! وتنتهي الخطبة القصيرة المبهمة . وفي ذلك روت مصادر التاريخ:
( أن عثمان  لما بويع، خرج إلى الناس، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياماً، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء، وسيعلمنا الله.)( طبقات الصحابة لابن سعد ج 3 ص 62) وأورد مثل ذلك ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس ج1 ص 19 فذكر (صعد عثمان بن عفّان  على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم أرتج عليه، فقال:أمّا بعد فإنّ أول كلّ مركبٍ صعب، وما كنا خطباء، وسيعلم الله، وإن امرأً ليس بينه وبين آدم أب حيٌّ لموعوظ.  ).
وذكر الجاحظ خطبة عثمان الركيكة فكتب ( صعد عثمان بن عفان  المنبر فارتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب، وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله)(  النص عن الغدير للأميني , باب عثمان ونقله عن البيان والتبيين للجاحظ ج1 ص 272)
وذكرت هذه الخطبة ذات السطر الواحد كذلك  في ( انساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص24, تاريخ ابو الفدا ج1 ص 166, تاريخ اليعقوي ج2 ص 140)
 ذكر الطبري خطبة أخرى أنفرد بها سيف بن عمر التميمي المشهور بالكذب جعل فيها عثمانا من الفصحاء , ولافائدة من نقل قول سيف بن عمر التميمي الذي أجمع المحققون على كذبه  . قال المؤرخ أموي الهوى  ابن كثير  في خطبة عثمان :
(وما يذكره بعض الناس من أن عثمان لما خطب أول خطبة ارتج عليه فلم يدر ما يقول حتى قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها. فهو شيء يذكره صاحب (العقد) وغيره، ممن يذكر طرف الفوائد، ولكن لم أر هذا بإسناد تسكن النفس إليه والله أعلم.) ( البداية والنهاية لابن كثير , ج7 باب خلافة عثمان تحت عنوان ثم استهلت سنة أربع وعشرين هجرية). أما قوله : شئ يذكره صاحب العقد فيعني به ابن عبد ربه الاندلسي في كتابه العقد الفريد الذي أورد خطبة عثمان القصيرة المبهمة كذلك وقال بصحتها,  ابن كثير الدمشقي لايذكر اتفاق باقي المصادر على خطبة عثمان الركيكة هذه فهو ذكر فقط صاحب كتاب العقد الفريد ثم ذيل ذلك بأن قال أن صاحب العقد يذكر طرف الفوائد كي يحط من منزلة مقولته , فتأمل ,ثم تأمل قوله: (ولكن لم أر هذا بإسناد تسكن النفس إليه والله أعلم)! فهل تصحيح الروايات يتم بما تميل اليه النفس  ؟  هذا مثل على تفاني كتبة البلاط  في تجميلهم لحوادث التاريخ وأنكارهم الروايات التي لاتلائم مذاهبهم , ففي مجتمع قريش العربي , مجتمع الفصاحة والشعر والادب  تبدو هذه الخطبة  من كلام البسطاء والحمقى. وستأتي شواهد أخرى على جهل الخليفة عثمان بأبسط قواعد الفقه والدين مما يتوافق مع أسلوبه الخطابي هذا الذي  دل على مبلغ علمه . كان من نتائج خيانة المسلمين لأوامر النبي (ص) في السقيفة , أن تتطرد الاحداث وتتفاقم حتى صار عثمان بن عفان خليفة على المسلمين متحملاً مسؤولية قيادة أمة ,وهو الذي لم يكلفه النبي(ص) بمهمة أو منصب طوال حياته , وعرف المسلمون أجمعهم أن عثمان تخلف عن معركة بدر وهرب من معركة أحد ولم يحضر بيعة الرضوان ,وكان جاهلا بأبسط قواعد الفقه .
   

لمزيد من القراءة راجع

http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/6_26.html

No comments:

Post a Comment