قال
النبي (ص) : (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة) ( صحيح مسلم ,
باب الامارة)! أي أن هذا الدين لاينقضي حتى ورود إثنا عشر خليفة من بعد النبي (ص).
وتمام نص الحديث كما يلي :
عن
جابر بن سمرة قال: خطبنا رسول الله بعرفات فقال: (لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه حتى يملك إثنا عشر كلهم. قال: فلم أفهم ما بعد. قال: فقلت
لابي ما قال بعدما قال كلهم؟! قال: كلهم من قريش.) ( مسند أحمد ج5 ص 93) وفي رواية أخرى يقول رواي الحديث : ( ثم تكلم
بكلمة لم أفهمها وضجَّ الناس فقلت لأبي ماقال ؟ قال : كلهم من قريش ) (مسند أحمد
ج5 ص93), فجابر بن سمرة ينقل عن أبيه لا عن النبي, بأن النبي قال بعد (كلهم) عبارة ( من قريش!). تأمل أن الحديث قيل في عرفات في موسم الحج ولهذا لم يسمع راوي
الحديث ماقاله النبي (ص) بسبب جموع الناس
وضجيجهم, فسأل أبيه عن ماقاله النبي في آخر عبارته , فالعبارة الاخيرة من الحديث وهي ( كلهم من قريش) لم يسمعها رواي الحديث أنما نقلها عن
أبيه. تزداد ظروف الحديث وزمنه وضوحا في
المعجم الكبير وكما يلي :
عن
جابر بن سمرة قوله :فسمعته يقول: (لا يزال هذا الأمر
عزيزاً ظاهراً حتى يملك
إثنا عشر كلهم...ثم لغط القوم وتكلموا فلم
أفهم قوله بعد ـ كلهم ـ
فقلت لأبي: ما قال بعد ـ كلهم ـ؟
قال: كلهم من قريش) ( المعجم الكبير للطبراني ج2 ص 196).وعلل ابن حجر في كتابه فتح
الباري عند ذكره لهذا الحديث أن سبب عدم سماع جابر لكلام الرسول يعود - واللفظ
لابن حجر ( فكبر الناس وضجوا) , اذن ضجيج الناس ولغطهم حدث عندما بين النبي(ص) من
هم أولئك الائمة الاثني عشر .
ذُكر
الحديث البخاري ومسلم كذلك ,وهما لايذكران لغط الناس وضجيجهم بل
يذكران الحديث كما يلي :
عن
جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي (ص) , فسمعته يقول : (إن هذا الأمر
لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة . قال ثم تكلم بكلام خفي علي . قال :فقلت لأبي
: ماقال؟ قال : كلهم من قريش) ( صحيح البخاري رقم الحديث 7222, صحيح مسلم رقم الحديث 1821) . هنا يرد أحتمال
وهو أن النبي(ص) لم يقل (كلهم من قريش) , فربما قال كلهم من ولد فاطمة , أو كلهم
من ولد علي, أو كلهم من بني هاشم, أو غيرها , ولهذا لغط الناس وضجوا ! وليس هذا
بجديد على الناس, ففي حديث رزية يوم الخميس في كتاب البخاري, يقول النبي قبل وفاته
أتوني بكتاب ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا به من بعدي أبدا, فيضج من في الدار من
الصحابة ويقول أحدهم وهو عمر أتركوا الرجل فأنه يهجر حسبنا كتاب الله , ولم يأتوه
بالكتاب والدواة , وقد مر بنا هذا الحديث في فصل نظام الحكم في بداية الكتاب ,
وهذا دليل على ان لغط الناس وضجيجهم في موسم الحج كان بسبب تحميل النبي (ص) للائمة الاثني عشر صفاتا لم ترض قريش
عنها ولم تستسيغها الجموع كما لم يستسيغوا وصيته ولم يأتوه بالدواة والكتاب, وكما أولوا
حديث الغدير في ولاية علي وتركوه وخانوا وصية النبي (ص) وقد تقدم ذكر حديث الغدير
كذلك فيما سبق. إن المهم والمتفق عليه أن
النبي (ص) حدد عدد أولئك الائمة , أما كونهم من قريش أو غير ذلك فهذا بحث آخر, وهناك
أحاديث أخرى بينت ماقال النبي بالتفصيل وسيأتي ذكرها لاحقا, أما الحديث أعلاه فقد
ورد في كتب الجمهور .
في
مسند أحمد إشارة أخرى حول الحديث : عن مسروق قال (كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو
يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم
تملك هذه الأمة من خليفة فقال عبد الله بن مسعود ما سألني
عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله (ص) فقال:
اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل) ( مسند أحمد رقم الحديث
3772)
هذا
الحديث الاخير يدل على أن النبي (ص) قد تحدث أكثر من مرة عن الائمة الاثني عشر
الذين سيأتون من بعده, فأمر مهم كهذا الامر لايمكن أن يذكره النبي مرة واحدة
,ولايمكن أن يُحاط بالغموض, ثم تأمل ان الحديث الاخير لا يلحق عبارة ( كلهم من
قريش) بالحديث, فعبارة (كلهم من قريش ) تماشت مع العرب القريشيين الذين تسدوا
الخلافة, ولهذا وجد هذا الحديث في كتب الجمهور. فمن هم هؤلاء الخلفاء الذي بشر بهم
النبي؟ وماهي أسمائهم وصفاتهم؟
إن
الخلافة التي بشر بها النبي (ص) هي خلافة ربانية , فليس بالضروري أن يكون خليفة
النبي متربعا على كرسي الخلافة, لأن الناس بعد رحيل النبي قرروا من يكون الخليفة
على الرغم من وصيته (ص) للناس بأن الخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب ( راجع فصل
السقيفة وفصل الامام علي). فعلي بن أبي طالب خليفة رسول الله بنص حديث الغدير
وغيره من أحاديث تقدم ذكرها , لكن النتيجة
أن علياً لم يتسدى الخلافة بعد النبي بل أخذها غيره ثم غيره ثم غيره , واللوم في
ذلك يقع على الناس الذين ضربوا بوصايا
النبي عرض الحائط ونصبوا لأنفسهم خليفة . فهل تصرف الناس واختيارهم رجلا آخر يغير
من بشارة النبي بالخلفاء ؟ ليس كذلك
فالخلافة والامامة منصب رباني يهبه الله لعباده المصطفين, (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة
آية رقم 24), وكقوله تعالى لابراهيم ع (إني جاعلك للناس أماما)(البقرة 124) . ولداود ع : (يا
داود إنا جعلناك خليفة فِي الأَرْضِ)( ص38). وكما قال عز وجل للملائكة في آدم: (إني جاعل في الارض خليفة)( البقرة 30) ,فالامامة مجعولة من الله تعالى لعباد معينين
ولايمكن إدعاؤها إعتباطا بأنتخاب أوبيعة ,فالامام معين من الله من بين جموع الناس,
أما رفض الناس لهؤلاء الائمة و الخلفاء فلن يغير من الحقيقة شيئاً. إن الانبياء
الذين أتوا لبني البشر لم يفلحوا جميعاً في نشر دعوتهم ولاقوا عنادا وحربا من
الناس بل قُتل كثير منهم ( ..ويقتلون الانبياء بغير حق.. )( آل عمران 112) , فهل يغير ذلك من تشرف الانبياء بشرف النبوة؟
وهل رفض الناس لهم يجردهم من منصب النبوة؟
ليس كذلك , يبقى الانبياء رسل الله تعالى في أرضه على الرغم من رفض الناس لهم
والخاسر في ذلك بنو البشر الذين رفضوا
دعوة الانبياء ورفضوا قبولهم كمرسلين من الله تعالى. وكذلك الخلفاء الاثنا عشر
الذين بشر بهم النبي (ص) , لم يتجردوا من منصب الخلافة والامامة على الرغم من
أتخاذ المسلمين خلفاء وائمة غيرهم, بل ظلوا أئمة وخلفاء بنص الحديث الشريف
إن
الامة التي نَحَّت الخليفة الذي بشر به النبي من بعده وهو الامام علي , نَحَّت
كذلك الائمة من بعده واختارت ملوكا أنتحلوا منصب الخلافة , فقال الناس أن هؤلاء
الملوك والخلفاء هم خلفاء النبي بنص حديثه, وهو تفسيرسفيه قال به وعاظ السلاطين
وكتبة البلاط . إن البحث في تفسيرات رجال الجمهور بخصوص حديث الائمة الاثني عشر يرينا
فوضى في تفسير الحديث, فقد اتفق بعضهم على
أن الخلفاء الاربعة الاوائل ( ابوبكر , عمر , عثمان , علي)هم من الائمة الاثني
عشر, وإن كان بعضهم لم يذكر عليا بن أبي طالب منهم , أما بقية العدد وهم ثمانية
فقام كل فقيه منهم بادلاء دلوه على نحو مختلف من صاحبه, فمنهم من عد معاوية ويزيد
وخلفاء بنو أمية من الائمة وهو قول ابن تيمية:
(
أن النبي قال لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش ولفظ
البخاري اثنى عشر أميرا وفي لفظ لا يزال أمر الناس
ماضيا ولهم أثنا عشررجلا وفي لفظ لا يزال الإسلام عزيزا إلى أثنى
عشر خليفة كلهم من قريش وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان و علي ثم
تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل
في دولة الإسلام من النقص ما هوباق إلى الآن فإن بني أمية
تولوا على جميع أرض الإسلام وكانت الدولة في زمنهم عزيزة) ( (منهاج السنة لابن
تيمية ج8 ص 238) . تأمل كيف يجعل يزيد بن
معاوية قاتل الحسين وآل بيت النبي (ص) من الائمة الاثني عشر الذي بشر بهم النبي
(ص)! فيكون حسب قول ابن تيمية , أن النبي (ص) قد بشر المسلمين بقاتل حفيده الحسين
, وجعل ذلك القاتل وهو (يزيد) من الائمة الاثني عشر التي سيكملون عزة الاسلام . إن
النبي (ص) يُسمي الحسين بسيد شباب أهل الجنة بأتفاق أهل الحديث والتاريخ فهل يعقل
أن يكون قاتله إمام عادل من الائمة الاثني عشر؟ إن الذي ينصب العداء لآل بيت النبي
(ص) يستحل كل شئ وفقاً لأهوائه ومنهم هذا المدعو ابن تيمية الحراني. بعض الفقهاء
محا يزيد من خانة الائمة الاثني عشر لجريمته في كربلاء , ومنهم من توقف في
ذلك واضاف بدله الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز للاربعة الاوائل, ثم أحتار كذلك
ولم يكمل بقية العدد , ومنهم كالسيوطي الذي اخرج
بني أمية من مجموعة الاثني عشر خليفة الغامضة , ووضع بدلا منهم بعض خلفاء
بني العباس ( مقدمة تاريخ الخلفاء للسيوطي) , ويلخص ابن الجوزي فوضى العلماء
واختلافهم في تفسير هذا الحديث بقوله (هذا
الحديث قد أطلت البحث عنه وطلبته مظانه وسألت عنه فما رأيت أحدا وقع على المقصود
به) ( كشف المشكل في حديث الصحيحين ص 179 لابن الجوزي) .
إن
هذه الحيرى عند علماء الجمهور تعود الى الخلط بين منصب الخلافة الربانية وبين منصب
الخلافة الدنيوية الذي أغتصبه الخلفاء. فظن القوم أن كل من يتربع على عرش السلطة
يستحق لقب خليفة رسول الله ؟ وهذا تعدي
على حديث النبي الكريم (ص) ووصاياه , وتشويها لشخصه العظيم , فكيف يكون خليفة رسول
الله فاجرا يعاقر الخمر ويأتي الغلمان ويذبح العباد ويسبي البلاد كما هو الحال عند
كثير من الخلفاء والسلاطين؟ لقد أحجم
علماء الجمهور عن البت في هذا الحديث وجعلوه كلغز أو أحجية استعصت على الاجيال.
فهل حقا يبلغ النبي(ص) الناس بالتلميح ويغلف أقواله بالغموض؟ الحقيقة أن النبي (ص)
قد بين من هم هؤلاء الائمة الاثني عشر , بل ذكرت أحاديث كثيرة أنه سماهم
باسمائهم والقابهم وزمن قدومهم , لكن كتبة البلاط وأنصار الخلفاء والملوك
المتسلطين على رقاب الناس طمسوا تلك الاحاديث ولم يظهروها لأن سادتهم من الخلفاء
لم يكونوا ضمن الاثني عشر خليفة , وحيرتهم في تفسير هذا الحديث دليل ساطع على ذلك.
هناك عامل آخر على غموض هذا الحديث إلا وهو التكتم والخوف من السلطات على نشر هذا
الحديث, فبعد طمس الحديث أيام الخلفاء الثلاثة الاوائل ونتيجة للبعد الزمني عن
تحقق الحديث, تناسى الناس هذا الحديث وبقي
متداولاً بتفسيره عند الائمة الاثني عشر أنفسهم , فكانوا لايجودون بتفسيره إلا على
أتباعهم وأنصارهم المقربين. إن السلطة الغاشمة التي تعرفنا عليها في فصول الكتاب
لاتتهاون عندما يتعلق الامر بالامامة والرياسة ,فصار تفسير الحديث من المتكتمات
عليه عند الائمة, فكان الأمام لايعلن أمام عوام الناس من هو الامام من بعده خوفا
عليه من القتل , بل يعلن ذلك لخاصته واتباعه المقربين, والسبب يعود الى ظلم المسلمين وظلم الخلفاء المنتحلين لمنصب
الامامة والخلافة.
إن
الامام الاول من مجموعة الاثني عشر خليفة هو الامام علي بن أبي طالب, وهو الوحيد
الذي حمل لقب الامام رغما عن أنوف الخلق, ولازال اسمه يقترن بالامامة دائما,
فلايقال الامام أبوبكر أو الامام عمر أو الامام معاوية, بينما يقول المسلمون على
اختلاف مذاهبهم أن علياً أمام ويدعونه بالامام علي دائما , فتامل! ثم
تأمل كيف كان موقف المسلمين من هذا الامام الاول أيام احداث السقيفة , وكيف
لاقى هذا الرجل العظيم من حيف المسلمين عندما جردوه من منصبه الشرعي الذي حدده
النبي في حديث الغدير الذي تقدم ذكره في فصول الكتاب. إن خيانة المسلمين لوصية
النبي في أمامة الامام الاول علي بن أبي طالب مثال جلي على قابلية المسلمين
وحكوماتهم في خيانة الائمة الباقين كذلك . لقد عين النبي (ص) عليا لخلافة الأمة
كما في حديث الغدير وغيره وكذلك نبأه أن ذلك لن يتحقق لأن الامة ستغدر به , (أن
الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد
أبغضني وإن هذه ستخضب من هذا)( المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص 153 رقم الحديث
4686), وقيم الحاكم هذا الحديث وقال أنه حديث صحيح ! إذن أول أمام مجعول من الله
على المسلمين أبعده المسلمون عن منصبه وأغتصبوا
حقه, فلا يقول قائل أن المسلمين لو عرفوا من هم هؤلاء الائمة لأطاعوهم؟
فقول ذلك يُجاب عليه بالقول: لقد خان المسلمون الاوائل وصية النبي في أمامة علي,
ونحوه عن منصب الخلافة والرياسة وجسد النبي الكريم(ص) لم يوارى التراب بعد, فكيف
سيكون الحال بعد سنين وبعد عشرات من السنين؟ إن الامر سيكون أكثرسهولة وانتحال
الخلافة سيسهل كذلك. إن الذين حاربوا الامام الاول علي بن أبي طالب أكملوا حربهم
للائمة من بعده وتعاونوا على ذلك في سبيل ديمومة عروشهم ,فالمُلك عقيم من أجله
يقتل الاب ابنه أوالابن يقتل أبيه في سبيل تسدي كرسي الحكم, فقتل الائمة واغتيالهم
وطمس مناقبهم ليس بالامر الشديد عند اولئك الطغاة.
من
هم الائمة ؟
تقدم
بنا أن جمهور السنة عجزوا عن تعيين الائمة الاثني عشر وتركوا الحديث غامضاً
مبتوراً يقبل عشرات الاحتمالات , لكن مراجع الحديث التي كُتبت خارج سلطة الدولة
الغاشمة حددت من هم أولئك الائمة, وليس أمام الباحث عن الحقيقة سوى أخذ قول من فسر
الحديث تفسيراً وافيا وسمى الائمة الاثنا
عشر وذكر صفاتهم , وغَسلَ الحديث من
خبث التفسيرات العشوائية التي قالها أهل
الجمهور. لنقرأ هذا الحديث:
(عن أنس ابن مالك قال : صلى بنا رسول
الله (ص) صلاة الفجر ثم أقبل علينا وقال : معاشر أصحابي من أحب أهل بيتي
حشر معنا, ومن استمسك بأوصيائي من بعدي
فقد استمسك بالعروة الوثقى. فقام
إليه أبو ذر الغفاري فقال : يا رسول الله كم الأئمة بعدك قال : عدد نقباء بني إسرائيل ، فقال : كلهم من أهل بيتك ؟ قال : كلهم من أهل بيتي تسعة من صلب الحسين
والمهدي منهم ) ( بحارالانوار للمجلسي ج36
ص 310, أورده الشيخ عبد الله دشتي في النفيس في بيان رزية يوم الخميس ص 413) ,
تأمل أن نص الحديث يشبه حديث جابر الانصاري الذي تقدم ذكره حيث يقول (نعم ولقد
سألنا رسول الله (ص) فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل) ( مسند أحمد رقم الحديث
3772), إلا أن حديث أنس بن مالك في مسند أحمد لم يحددهم , وسبب ذلك أن مسند أحمد
كتب تحت رعاية الدولة العباسية فلايجرأ الكاتب على كتب مايغضب الخلفاء فرفع من
الحديث تحديد أولئك الائمة واكتفى بأنهم عدد نقباء بني أسرائيل, ولكن المجلسي في
بحاره عدهم وذكرهم وكتاب البحار لايرضى به السلاطين والخلفاء.
,
أورد كذلك الشيخ دشتي في كتابه ص 414 نصا عن كتاب الكافي بسند صحيح عن أبي جعفر
الباقر أنه قال ( يكون تسعة ائمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم ) ( الكافي
للكليني ج1 ص 525). هناك عشرات المصادر في
تسمية هؤلاء الائمة أنتقينا منها الاثنين أعلاه للاختصار . إذن الائمة الاثناعشر
هم من أهل بيت النبي (ص) وتسعة منهم من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب كما في
الحديث أعلاه ( يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم) أو قول النبي (ص)
: ( كلهم من أهل بيتي من صلب الحسين والمهدي منهم ). هذا الحديث يتكامل مع ( حديث
الثقلين) الذي ورد في كتب جمهور السنة وهو ( إني تارك فيكم الثقلين , أحدهما
أكبر من الاخر , كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض, وعترتي أهل بيتي ,
وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) ( مسند أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري, و
كذلك في كنز العمال ج1 ص172 للمتقي الهندي.) . وقد تم
شرح حديث الثقلين وكيف زيف المزيفون الحديث فأهملوا قول النبي (ص) ( كتاب الله وعترتي) وروجوا أنه
قال بدل ذلك ( كتاب الله وسنتي) وذلك في فصل ( الامام علي) فليراجع.
وهاك حديثا آخر:قال
النبي (ص) (من سرّه
أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً بعدي ،
وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا
فهماً وعلماً. وويل للمكذّبين بفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه
شفاعتي ) ( حلية الاولياء لابي نعيم ج1 ص86, نص الحديث عن موسوعة الملل والنحل
للعلامة السبحاني ج6 ص 438), تأمل أن هذا الحديث يبين من هو أول الائمة من بعده
حيث يسميه النبي (ص) ويقول أنه عليا ولم يقل الخليفة الاول أو الثاني أو الثالث
أوبقية المجموعة التي أحتار في ترتيبها وتعديدها فقهاء الجمهور, وقول النبي (ص)
ذلك يدل على باقي الائمة, والحديث اعلاه من كتب الجمهور.
تذكر
أيها القارئ أن الحسين بن علي قضى مقتولا على يد الدولة الحاكمة في موقعة كربلاء
الدامية, فهل يعقل أن تنشر تلك الدولة قول النبي (ص) أن تسعة أئمة من الائمة الاثني عشر هم من أولاد
الحسين بن علي بن أبي طالب؟ وتَذَكر أيضا
أن دولة معاوية سنت قانونا في سب علي بن أبي طالب على منابرها ودام ذلك السب سنين
طويلة حتى عهد الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز,فنشأت أجيال لاتعرف سوى سب علي
ولعنه وأولاده ( راجع فصل أمية, معاوية , باب سب الامام علي على المنابر), فهل
ترضى تلك الدولة أن يعرف الناس حديثا للنبي (ص) يقول فيه أن الائمة من نسل الامام علي بن أبي طالب؟ وتذكر أيها القارئ مذابح الدولة العباسية في آل
بني طالب تلك التي تقدم ذكر نتف منها في عهود خلفاء بني العباس, فهل يرضى خلفاء
الدولة العباسية بنشر مناقب آل علي بن أبي طالب وهم يذبحون أحفاده وأنصارهم؟ هذه
أهم الاسباب التي جعلت وعاظ السلاطين وكتبة البلاط يطمسون ذكر أسماء الائمة الاثني
عشر. سياتي ذكر اسماء الائمة الاثني عشر بعد مايلي من مقدمة قصيرة , فرويداً.
بين
الخلفاء الظلمة وأئمة آل البيت صراع لايتوقف
بعد
رحيل النبي الكريم (ص) كان ديدن الخلفاء
هو التخلص من صاحب الحق بالخلافة وهو
الامام علي بن أبي طالب, فوجوده كان عقبة وغصة في حلوق الخلفاء وأعوانهم, وفي
العهود التي أتت بعد ذلك بقي الصراع على السلطة بين حكام الدولة وبين ورثة علوم آل
محمد. فكان أولاد علي وأحفاده خصوم السلطة
,وأعلنوا على الملأ أن الخلفاء مغتصبون للخلافة ولايستحقون ميراث منبر النبي (ص)
ولايمثلون دين الاسلام. فكان الصراع شديدا ,ومذبحة كربلاء التي تقدم ذكرها شاهد
تاريخي على ذلك . ثم توالت الاجيال وبقي الصراع بين حملة علوم آل محمد (ص) من
الائمة وبين خلفاء الدولة الذين تربعوا على عرش الحكم. لم يكن أمام الحكام سوى
التخلص من وجود الائمة , إما بالسجن أو بالنفي والابعاد, او بالأقامة الجبرية في
منطقة معينة وأخيرا بالموت , وكانت طريقة دس السم التي اتقنها معاوية بن أبي سفيان
هي الطريقة المثلى للخلفاء الذين أتوا من بعده في قتلهم للائمة .
إن
جميع عمليات الاغتيال بطريقة دس السم هي عمليات سرية لاتحدث ضوضاء ولاتجلب
الانتباه مقارنة بعلميات الاغتيال بالسلاح , والجاني في عمليات القتل بالسم يبقى
مجهولا ,إلا في بعض الحالات التي يُقام فيها مجلس تحقيقي , وهو شئ لم يحدث في تلك
الازمنة , فكان الموت المفاجئ لمعارضي السلطة يُعلل عند العوام بأنه موت طبيعي ,
لتُلقى جريمة القتل بالسم في عنق القضاء والقدر , ليبقى سر الجريمة مجهولا إلا عند أهل القتيل واصحابه المقربين. أشتهر
معاوية بمقولته ( إن لله جنودا من عسل ), وذاع صيته في دس السم في العسل لخصومه أو في إرسال جواسيسه و مندوبيه لتنفيذ
العملية( راجع فصل أمية , باب أغتيالات معاوية) . وفعل الخلفاء من بعده ذلك
الاسلوب, فكانت تصفية الخصوم الذين يحضون بشعبية واسعة لاتُنفذ بقوة السلاح خوفا
من غضب الجماهير وخروجها على السلطان, بل تُنفذ بصمت بطريقة دس السم.
لما
كان التاريخ يُكتب بأيدي كتبة البلاط ووعاظ السلاطين فأن ذلك ساهم في التعتيم على
عمليات الاغتيال التي قامت بها السلطة, فكان كتبة التاريخ الموالون للسلطة يروجون
أن سبب موت فلان كان ميتة طبيعية بأنقضاء أجله كأي ميت آخر! ولكن, الميتة الفجائية
لشاب أو كهل صحيح الجسم لايعاني من أي مرض تفتح تساؤلات كثيرة عن سبب موته, وإذا
كان المقتول معارضا للسلطة الجائرة فأن سبب موته يحتاج الى تحقيق وتفحص, وإذا كان
المقتول يشكل خطرا على السلطة وله أتباع فأن سبب موته المفاجئ لايمكن أن يُقبل
بأنه موت طبيعي , وتنطبق هذه المزايا على جميع الائمة فهم قضوا حتفهم وهم في
شبابهم ,وكانوا معارضين للسلطة ويشكلون خطرا عليها, ولهم أتباع وشعبية واسعة. إن
التعتيم الاعلامي والأمني من قبل السلطة على موت خصوم السلطة يكون من القوة الى
درجة أنه يؤدي الى قتل وأغتيال من يروج
خبر اغتيال المقتول بيد السلطة . لذا من الصعوبة على العقول السفيهة إدراك دوافع
حيل السلطة , فتنطلي عملية الاغتيال على عوام الناس وتبقى فئة قليلة تؤمن في السر
أن موت الضحية كان قتلاً بيد السلطة. إن
وفاة الزهراء فاطمة بنت محمد (ص), لم تكن وفاة طبيعية أبدا, فكيف بسيدة في
مقتبل العشرين من عمرها لم تعان من مرض أوعاهة طوال حياتها تموت فجأة بعد رحيل
أبيها محمد (ص)؟ ( راجع فصل السقيفة , باب
الهجوم على بيت فاطمة). إن موت السيدة فاطمة عليها السلام لم يكن بطريقة دس السم ,
ولكنه كان اغتيالا عنيفا من جراء الهجوم على بيتها كما تقدم ذكر ذلك , ولكن مع ذلك
وبتعاقب الاجيال والازمنة ودور كتبة البلاط في التعتيم على قضية القتل , صار موت
السيدة فاطمة (ع) موتاً طبيعيا عن أغلب المسلمين , فما بالك أيها القارئ في الذين
قُتلوا بطريقة دس السم ! فإذا كان الخلفاء وكتبة البلاط نجحوا في التعتيم على قتل
الزهراء فاطمة ومحو ذكر الجريمة من عقول أجيال فمن السهولة أن ينجحوا -ولو قليلاً
-في التعتيم على من مات أغتيالا بالسم !
إن
سلطة الامويين والعباسيين في قوتها دامت لأجيال عديدة ويعني هذا أن التعتيم
الاعلامي والامني على عمليات أغتيال المعارضين سرى على الاجيال فلم تنكشف أسرار
تلك الاغتيالات الا بعد ضعف السلطة وسقوطها وحتى بعد كشف تلك الاسرار فأن الاجيال
المتعاقبة حفظت ما روجه كتبة البلاط وآمنت بأن الضحايا قضوا حتفهم كغيرهم من
الموتى .
سنرى
أن جميع الائمة الذين سنورد ذكرهم فيما يلي قضوا حتفهم من دون علة أو مرض وهم في
شرخ الشباب أو بداية الكهولة, مما يدل على أن رحيلهم عن هذه الحياة كان بفعل السم
الذي سُقوه. ونقول هذه كرامة ربانية للائمة فحياتهم كانت جهاداً في سبيل الله , والموت بالسم رزقهم الشهادة في سبيله تعالى, وقتلهم عزاء
للمظلومين من بني الانسان وشهادة على مؤامرات الاشرار من المسلمين وغيرهم.
يتبع....
لمزيد من قراءة راجع الرابط
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/08/10.html
No comments:
Post a Comment