Tuesday, October 7, 2014

الاغتيالات في عهد الخليفة عمر بن الخطاب




الاغتيالات في عهد عمر مهدت لدولة  بني أمية
ردد عمر أكثر من مرة بأنه إذا سيستخلف من بعده فأن أختياره سيكون على رجل من بين ثلاثة رجال فقط! أولئك الرجال الثلاثة هم : أبوعبيدة عامر بن الجراح, معاذ بن جبل, وسالم مولى أبي حذيفة . كان عمر يسمي أباعبيدة الجراح أمين الامة ويقول أن النبي سماه ذلك , أما في معاذ فكان عمر يقول (من أراد الفقه فليأت معاذا )( صحيح البخاري , باب مناقب الانصار رقم الحديث 3595), وهو قول يدعو للعجب فما كان معاذ أفقه من علي بن أبي طالب ولا أقدم أسلاماُ وهل أفلس الصحابة من علم الفقه ولم يبق سوى معاذ بن جبل ؟ أما مدحه  لسالم مولى أبي حذيفة  فقوله فيه :أنه شديد الحب لله!
يروي ابن الاثير :‏ إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له‏:‏ يا أمير المؤمنين لو استخلفت‏.‏ فقال‏:‏ لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته وقلت لربي إن سألني‏:‏ سمعت نبيك يقول‏:‏ ‏‏إنه أمين هذه الأمة ,ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته وقلت لربي أن نبيك قال أن سالما شديد الحب لله ).( الكامل لابن الاثير ج2 ,باب الشورى. طبقات ابن سعد ج 3 ص 343).‏ وفي نص آخر يقول عمر  (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) ( سير اعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاذ. وورد مثله في مسند أحمد).
روى ابن شبة :(قال عمر:يا ابن عباس لو كان فيكم مثل أبي عبيدة بن الجراح لم أشْكُكْ في استخلافه لأني سمعت رسول الله يقَول: لكل أُمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح , لو كان فيكم مثل مُعَاذ بن جبل لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول اللّه يقول: معاذ بن جبل أعلم الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، يأْتي يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة , لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول الله  يقول: سالم مولى أبي حذيفة آمَنَ وأحبَ الله فأحبه ولو كان ما يخاف اللّه ما عصاه.)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبة, باب مقتل عمر)
ذكر الذهبي قول عمر في أبي عبيدة ومعاذ أيام طاعون عمواس في الشام :
(لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ ( اسم منطقة) حُدثَّ أن بالشام وباء شديدا ، فقال : إن أدركني  أجلي وأبو عبيدة حي ، استخلفته ، فإن سألني الله  : لم استخلفته على أمة محمد ؟ قلت : إني سمعت رسول الله  يقول : إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح . قال : فأنكر القوم ذلك ، وقالوا : ما بال علياء قريش ؟ يعنون بني فهر . ثم قال : وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة ، أستخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني ربي ، قلت : إني سمعت نبيك يقول : إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة) ( سير أعلام النبلاء للذهبي, باب صحابة النبي , سيرة أبي عبيدة). تأمل تعجب القوم من قول عمر ثم يذكرونه بالنخبة من قريش ولكنه لايأبه لذلك. لم يذكر عمر سالماً في الحديث أعلاه لأن سالم مولى ابي حذيفة كان قد مات في حرب اليمامة. وردت أقوال عمر في الرجال الثلاثة  في مصادر شتى لتواتر الخبر وانتشاره منها  سير أعلام النبلاء للذهبي , مسند أحمد بن حنبل , طبقات ابن سعد , تاريخ الرسل والملوك للطبري , وتاريخ ابن الاثير وغيرها.
الذي يثير الانتباه  هو لماذا هؤلاء الرجال وليس غيرهم ؟وصحابة النبي فيهم من فيهم ؟  ولا يجيب أهل العلم  بجواب مقنع على سبب  أختيار عمر لهؤلاء الثلاثة دون غيرهم, ولكن لامن مجيب!  الجواب على ذلك يعودالى أيام ماقبل السقيفة وما قبل وفاة النبي محمد (ص)و المصدر التاريخي الاوحد الذي يجيب على هذا التساؤل هو أقدم كتاب كُتب في تاريخ الاسلام وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي . مؤلف الكتاب سليم ولد قبل هجرة النبي (ص) بسنتين أي أنه عاصر في طفولته النبي (ص) وشاهد في شبابه وكهولته أحداثا كثيرة حتى توفي في سنة 78 هجرية في عهد حكومة بني أمية . أستعان جمع من المؤرخين بكتاب سليم في رواية أحداث مهمة كأحداث السقيفة ووقائع الملاحم والفتن في صدر الاسلام. لا يعترف جمهور السنة وفقائهم بكتاب سليم لحجة واحدة هي أن سليم كان متشيعاً لعلي بن أبي طالب ولبنيه ولآل بيته, ولا يوجد جواب مقنع على معرفة سر تشبث عمر بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم الا ماذكره كتاب سليم الهلالي وأذا استطاع المحققون الاتيان بجواب من مصدر آخر فنّعمَّا ذلك , ولكن لاجواب!
يذكر سليم في كتابه  يوم وفاة النبي (ص) وما جرى فيه فيروي حواراً بين سلمان الفارسي وبين علي بن أبي طالب ,وفي الحوار يأتي سلمان عليا ليخبره بما حصل في السقيفة ,وحينها كان علي مشغولاً بتجهيز النبي (ص) وغسله :
(قال سلمان الفارسي: فأخبرت علياً بن أبي طالب - وهو يغسل رسول الله (ص) بما صنع القوم، وقلت له : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة  وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله. فقال علي : يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (ص)؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل) ( كتاب سليم الهلالي المتوفي سنة 78 هجرية, ص 144).
تقدم في فصل السقيفة أن أول من بايع أبابكر هو بشير بن سعيد ثم أبوعبيدة ثم عمر بن الخطاب  والاخرين من بعده وهو قول أهل الجمهور , وكذلك ذكر كتاب سليم الهلالي , فالثلاثة الذي تمنى عمر وجودهم كي يستخلفهم من بعده وهم ( أبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ) كانوا اوائل المبايعين للخليفة الاول ابوبكر بإتفاق المؤرخين.
وتقدم كذلك أن عليا لم يبايع (أبوبكر) يوم السقيفة وعلى ذلك اتفق المؤرخون وفي ذلك يروي كتاب سليم مايظهر ضلوع الرجال الثلاثة (ابوعبيدة, سالم, معاذ) في مؤامرة السقيفة وكما يلي في هذا الحديث بين الخليفة وعلي :
 (فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال لعلي بن أبي طالب: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)! فقال علي : هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك؟ فقال عمر صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال, وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله .)( كتاب سليم ص 153).  تأمل تعصب الرجال معاً وكأن بينهم اتفاقاُ  سرياُ. ثم يستأنف علي  ليبين أن هناك حقاُ تنظيم داخلي بين المسلمين وبعض رجاله هم الثلاثة الذي كان يذكرهم عمر في خلافته ويتمنى استخلافهم من بعده , يقول علي كما يروي الكتاب :
 (فقال لهم علي : لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة   إن قتل الله محمدا أو مات لتزون  هذا الأمر عنا أهل البيت!
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها !فقال علي : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن ابابكر وعمرا وأبا عبيدة ومعاذاً وسالماً قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي! قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك فقال علي : أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة) ( عن كتاب سليم الهلالي , ص 154)
في  الحوار أعلاه يتبين سبب تعصب الخمسة لنيل الخلافة وهم ( ابوبكر, عمر , أبوعبيدة, معاذ , وسالم ) وهذا هو سبب تشبث عمر بهم.
لقد تقول ابوبكر على النبي محمد (ص) مرة أخرى  بعد وفاته فمرة  زعم أن النبي كان قد قال (نحن الانبياء لانورث مانتركه صدقة) فحرم الزهراء بنت محمد وزوجها عليا وأولادهما من إرثهم كما تقدم ذكره في فصل السقيفة , وفي هذه المرة زعم كذلك أن النبي كان قد قال إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. ونقول إذا كان النبي قد قال ذلك حقا فما بال علي لم يسمع به وهو الاولى من باقي الناس بسماع مايخصه في الخلافة والامامة وكيف يقول النبي حديثا مهما  كهذا بخصوص أهل بيته وعائلته, وهم لم يسمعوا به وسمعه أبوبكر لوحده؟  .
 نص الحوار الاتي بين عمر بن الخطاب وابن عباس يبين تزوير الخليفة أبوبكر في حديثه.
 جرى بين عمر ايام خلافته وبين ابن عباس حوار  نقلته كتب جمهور السنة  وفيه يردد  عمر نفس معنى كلام  أبوبكر الذي زعم أبوبكر أن النبي قد قاله في حديث عندما قال لعلي أنه ( ابوبكر) سمع النبي يقول : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة),
لكن عمر لايذكر  نص الحديث وانما يذكر المعنى ,فيروي في ذلك ابن الاثير  :
(قال عمر ‏:‏ يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه فقلت‏:‏ إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني‏!‏ فقال عمر‏:‏ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت‏.‏فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت‏. قال :تكلم.
قلت‏:‏ أما قولك يا أمير المؤمنين‏:‏ اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود‏.‏
وأما قولك‏:‏ إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال‏:‏ ‏(‏ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم‏)‏ ‏(‏محمد‏‏ 9‏)‏
فقال عمر‏:‏ هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني‏.‏
فقلت‏:‏ ما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كنت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه‏.‏
فقال عمر‏:‏ بلغني أنك تقول‏:‏ إنما صرفوها عنك حسدا وبغيا وظلما‏.‏
فقلت‏:‏ أما قولك يا أمير المؤمنين‏:‏ ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك‏:‏ حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسدون‏.‏
فقال عمر‏:‏ هيهات هيهات‏!‏ أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول‏.‏
فقلت‏:‏ مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله  من قلوب بني هاشم‏.‏
فقال عمر‏:‏ إليك عني يا ابن عباس‏.
فقلت‏:‏ أفعل‏.‏  فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال‏:‏ يا ابن عباس مكانك‏!‏ فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك‏.‏
فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ‏.‏
ثم قام فمضى ( الكامل لابن الاثير ج2 , باب ذكر نسب عمر وصفته , ومثله في شرح النهج لابن ابي الحديد )
 قول عمر أعلاه يبين إدعاء الخليفة الاول في أن النبي قال يوما : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة), وكان الشاهد حينها عمرا وابوعبيدة ومعاذا وسالما, كما ذكرهم كتاب سليم. ولو كان الحديث الذي قاله أبوبكر صحيحا لقاله عمر وتشبث به لكنه نسيه فعاد يقوله كفكرة من افكاره, وتحليلا من تحليلاته ثم تأمل قوله أن قريش هي التي كرهت ان تجمع لال محمد النبوة والخلافة معاُ وليس الله أمر بذلك كما أدعى أبوبكر من قبل في حديثه المزعوم, إن حجة عمر على ابن عباس هي نفس حجة أبي بكر على علي, لكن أبابكر صاغ قوله على شكل حديث نبوي . أن ترديد نفس الحجة على لسان عمر يدل على تآمر العصبة الخمسة فيما بينهم وأبرامهم أمراُ اتفقوا عليه في الخفاء ثم هيئوا حجتهم وأدعوا أنها حديث نبوي فشهد جميعهم لتصديقها  !
لقد جمع الله النبوة والحكمة والكتاب والملك قبل ذلك لآل أبراهيم وهم أجداد آل محمد ؟ تقول الاية الكريمة ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم مُلكاً عظيماً) ( النساء 54). لكن أبابكر وعمر وباقي الثلاثة من عصبة الخمسة كانوا قد أبرموا أمرهم .
من ترابط الادلة التاريخية التي تقدمت , يتبين بوضوح تحزب  الخمسة ( أبو بكر وعمر وأبي عبيدة ومعاذ وسالم ) على نيل الخلافة, ويذكر كتاب سليم الهلالي أنهم كتبوا عهدهم في صحيفة وكاتب الصحيفة وحافظها هو أبوعبيدة بن الجراح  وهذا يفسر لنا تسمية أبا عبيدة بأمين الامة ,فهو الامين على صحيفة العهد بين الخمسة.
يروى ان عمرا بن الخطاب قبل يد اباعبيدة يوما وجعلا يبكيان ! روي البيهقي في سننه واللفظ له :
(ولما أتى عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح، وفاض إليه ألماً، فالتزمه عمر، وقبل يده، وجعلا يبكيان ) ( سنن البيهقي ج7 ص 101. وذكره الطبري في تاريخه ) ونقول أن عمر قبل اليد التي كتبت صحيفة العهد بين الخمسة , تلك الصحيفة التي أوصلت عمر بن الخطاب الى السلطة ,وبكاء الرجلين  معاً مزيج من فرحة بالفوز و شعور بذنب عظيم ليس إلا !

اغتيال الخصوم المرشحين يعجل لبني أمية الاستحواذ على السلطة
علم أغلب الصحابة بل أجمعهم على تحزب هؤلاء الخمسة لنيل الخلافة, فمال الطامعون من الصحابة معهم أمثال المغيرة بن شعبة وبشير بن سعيد وأسيد بن حضير وغيرهم ورضي بواقع الحال من كان يبغض الامام علي بن أبي طالب لأحقاد جاهلية فكان تحزب الرجال عاملاً لابعاد الامام علي عن السلطة فارتضى الناس بما لائم مصالحهم وأحقادهم. وكذلك كان الحال للذين  كرهوا النبي ولكن أسلموا خوفاً كالطلقاء وغيرهم ممن غرتهم الدنيا بزخرفها وغرتهم أموال الفتوحات و لائمهم الوضع الجديد بأبعاد علياً عن منصبه ,فركبوا مع موجة الفائزين بالحكم. بقيت عصبة قليلة وفية لعهد النبي  (ص) وهم أمير المؤمنين علي وأنصاره القلائل كأبي ذر وعمار والمقداد فعاشوا على هامش دولة الخلافة. كانت العقبة الرئيسية أمام بني أمية هي التخلص من أصحاب صحيفة المؤامرة حتى لايكون خيار أمام عمر سوى أختيار مرشحين  جدد للخلافة. أما سالم مولى ابي حذيفة فكان قد قُتل في حرب اليمامة في عهد الخليفة الاول أبوبكر, وبقي إثنان وهم أبوعبيدة الجراح ومعاذ بن جبل . إن التخلص من هاذين الاثنين بتم بخطة لاتخطر على بال أحد ,وليس بعيداً في ذلك تدخل اليهود بالتعاون مع بني أمية مثلما تحالف اليهود مع أبي سفيان الاموي من قبل في عهد النبي.
لم تكن تصفية أباعبيدة ومعاذا بشئ جديد في عهد عمر , فقد قتل المعارض للسقيفة سعد بن عبادة الانصاري في عهد عمر وهو في الشام على يد رجل الاغتيالات الاول في عهد عمر وهو محمد بن مسلمة  وقُيد الاغتيال ضد مجهول ( الاصابة للعسقلاني ج3 ص 384, أسد الغابة لابن الاثير  ج5 ص 112)( ستأتي سيرة محمد بن مسلمة في فصل دور اليهود). ومات الخليفة الاول أبوبكر مسموماً  ومات طبيبه بنفس السم وبقيت القضية غامضة ضد مجهول. لقد كتب عثمان  الاموي وصية ابي بكر لعمر بيده وكان أبوبكر حينها في غيبوبة الموت  ,فمن ياترى المستفيد من ذلك؟  المستفيد الاول هو الخليفة الثاني عمر بطبيعة الحال فهو نال الخلافة بموت الخليفة الاول, والمستفيد الخفي كان ممثل بني أمية وهو عثمان بن عفان وهو كاتب وصية ابي بكر والخليفة في غيبوبة الموت كما تقدم في فصل ( أبوبكر) . يقينا كان لعثمان دورا  في اغتيال الخليفة الاول ونال ثمرة ذلك بأن صار الخليفة الثالث بعد عمر كما سيأتي . إن عقبة الوصول للحكم امام عثمان وأمام أنصاره من بني أمية كانت هي وجود الرجلين الذين لم يفتأ عمر يردد اسميهما وهما أبوعبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل, وعلم  بنو أمية أن نيل الخلافة بتواجد هاذين الرجلين ستكون مهمة صعبة ,فكان لزاماً  أزاحتهما عن منصب الخلافة المرتقب بالموت, مثلما أزاحوا الخليفة الاول عن منصبه بالموت , وكما سيزيحون عمر بن الخطاب نفسه بعد ذلك.
استحدث المتآمرون نصاً شرعياً أوجب به موت الرجلين . لنقرأ نتفا من التاريخ بعين متفحصة لتتكشف الحقيقة المذهلة ! ذكر الطبري دخول عمر الى الشام :
(وقد كان عمر خرج غازيا، وخرج معه المهاجرون والأنصار. وأوعب الناس معه، حتى إذا نزل بسرغ، لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة ابن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة؛ فأخبروه أن الأرض سقيمة ( الارض سقيمة تعني انه قد نزل فيها مرض الطاعون)، فقال عمر: اجمع إلى المهاجرين الأولين، قال: فجمعنهم له، فاستشارهم، فاختلفوا عليه، فمنهم القائل: خرجت لوجه تريد فيه الله وما عنده، ولا نرى أن يصدك عن بلاء عرض لك. ومنهم القائل: إنه لبلاء وفناء ما نرى أن تقدم عليه؛ فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عنى، ثم قال: اجمع لي مهاجرة الأنصار، فجمعتهم له، فاستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين، فكأنما سمعوا ما قالوا فقالوا مثله. فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عنى، ثم قال: اجمع لي مهاجرة الفتح من قريش،فجمعتهم له، فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان، وقالوا: ارجع بالناس، فإنه بلاء وفناء. قال: فقال لي عمر: يابن عباس، اصرخ في الناس فقل: إن أمير المؤمنين يقول لكم أني مصبح على ظهر ( يعني سيركب دابته راحلاً)، فأصبحوا عليه, قال: فأصبح عمر على ظهر، وأصبح الناس عليه، فلما اجتمعوا عليه قال: أيها الناس؛ إني راجع فارجعوا، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله! قال: نعم فرارا من قدر الله إلى قدر الله؛ أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس يرعى من رعى الجدبة بقدر الله، ويرعى من رعى الخصبة بقدر الله! ثم قال: لو غيرك يقول هذا يا أبو عبيدة! ثم خلا به بناحية دون الناس؛ فبينا الناس على ذلك إذ أتى عبد الرحمن بن عوف - وكان مخلفا عن الناس لم يشهدهم بالأمس - فقال: ما شأن الناس؟ فأخبر الخبر، فقال: عندي من هذا علم، فقال عمر: فأنت عندنا الأمين المصدق، فماذا عندك؟ قال: سمعت رسول الله  يقول: ( إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه ) , ولا يخرجنكم إلا ذلك، فقال عمر: فلله الحمد! انصرفوا أيها الناس، فانصرف بهم. ( تاريخ الطبري , باب خروج عمر بن الخطاب الى الشام ج2 ص 337, وأكد قوة الراوية ابن الاثير بقوله : (وهذه الرواية أصح فإنّ البخاري ومسلماً أخرجاها في صحيحيهما). (الكامل في التاريخ لابن الاثير ج2 أحداث سنة 17 هجرية).
الرواية اعلاه تحكي إصابة المسلمين بمرض الطاعون في الشام واحتار عمر فيما يفعل, فأستشار الصحابة المقربين من المهاجرين والانصار فلم يجد جواباً عند أحد, ثم قال بعضهم أنه بلاء وفناء فقرر العودة بمن معه خوفاُ من الاصابة بالمرض. ثم يختلي عمر بأبي عبيدة دون الناس ويتحادثان بأسرار لايعرفها غيرهما . ثم يأتي الصحابي عبد الرحمن بن عوف الى جمع الناس هنالك ليقول  أنه حفظ حديثا من النبي (ص) يقول فيه ( أذا سمعتم بهذا الوباء  ببلد فلا تقدموا عليه, وإذا وقع وأنتم به فلاتخرجوا منه). وهو حديث لم يسمع به رجل مسلم من قبل, فجميع الصحابة الذين استشارهم عمر لم يأتي أحدهم بشئ ولكن بعد أن يقرر عمر العودة بمن معه خوف العدوى يأتي عبد الرحمن بن عوف بالحديث! إن عمر قرر العودة  وأحتاج الى من (يشرعن) قراره فكان الوفي لعمر هو عبد الرحمن بن عوف جاهزاً بحديث للنبي لم يسمعه أحد من قبل, وتأمل قول عمر له : (أنت عندنا الأمين المصدق ), فهو علم أن ماسيقوله عبد الرحمن بن عوف  سيقوي عذر عمر بالهرب من مكان الطاعون , إن عمر الذي يقول في عبد الرحمن بن عوف أنه الامين المصدق في هذه الحادثة يطلق عليه لقب فرعون قريش في حادثة أخرى بقوله (وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الامة.) ( الامامة والسياسة للدينوري ج1 ص 29)! فيا للعجب لتغير الحال والاحوال وفق المصالح والأهواء.
 الوضع في حديث عبد الرحمن واضح, فليس هناك حديثا لم يسمعه غير رجل واحد وبالأخص حديث يتعلق بموت أو حياة , بعد سماع عمر للحديث أمام الناس يخرج من تلك المنطقة مع أصحابه ويتركوا جيش أبي عبيدة وفيه أبو عبيدة نفسه ومعه معاذ بن جبل وغيرهم. رب قائل سيقول  أن ما فعله عمر هو عين الصواب فقد فر من شر عدوى مرض الطاعون! لكن لماذا لم يفر أبوعبيدة وأصحابه كذلك؟ سيقول قائل لأنهم أصلا قد اصابهم المرض فهم فضلوا البقاء لسماعهم  حديث النبي الذي أتى به عبد الرحمن بن عوف! ونقول اذا كان عمر وجيشه ومن معه كأبن عوف وغيره فروا من المكان خوف العدوى فلماذا  قابلوا المصابين بالمرض كأبي عبيدة وغيره وتخالطوا معهم بل خيموا هناك أكثر من ليلة , حتى أن عمر أختلى مع أبي عبيدة يحادثه كما تروي الرواية فإذا كان أبوعبيدة قد أصيب فحتما عمر ومع معه قد اصيبوا أيضاً . الرواية تكشف مؤامرة أجبر فيها عمر صاحبه أباعبيدة ومعاذا وشرحبيلا بن حسنة بالبقاء في مدينة الموت حتى يموتوا ,وكأنه أعدام بمرسوم الحكومة لم يجد الرجال سوى تنفيذه , وأستطاع عبد الرحمن بن عوف  تقنين ذلك بحديث نبوي أنفرد بروايته حتى لايجد أحد محيصا سوى البقاء في انتظار الموت. العجيب في الحادثة أن عمرا ومن معه كانوا هناك أيضا لكنهم خرجوا وعادوا بسلام الى دار الخلافة في المدينة, والاعجب منه أن عمراً لم يمانع من خروج الجيش برجاله من مدينة الطاعون بعد أن أتاه نبأ وفاة أبي عبيدة ومعاذ وغيره, بينما كان آمراً لهم بالبقاء في مدينة الطاعون حتى أشعار آخر. ذكر الطبري وغيره أنه بعد موت أبي عبيدة بالطاعون صار معاذ بن جبل خليفة على الجيش منتظرا دوره في الموت فلما مات معاذ بن جبل بالطاعون  أيضا صار عمرو بن العاص قائداً على الجيش وبدلا أن ينتظر عمرو بن العاص دوره بالموت فإنه قام خطيبا على الجيش  : 
( فقام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهذلي: كذبت؛ والله لقد صحبتُ رسول الله  وأنت شرٌ من حماري هذا! قال عمرو بن العاص: والله ما أرد عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأى عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه.) ( تاريخ الطبري, ج6 , طاعون عمواس ص 339). تأمل أن عمر بن الخطاب لم يأبه لما فعل عمرو بن العاص ولم يعارضه على مافعل, لأن مهمة تصفية أباعبيدة ومعاذا وغيره قد تمت, ولهذا لم يعتب أو يعاقب عمرو بن العاص على مخالفته لأمره المعضد بحديث عبد الرحمن بن عوف المزعوم. خرج عمرو بن العاص بالجيش من مكان الطاعون ولم يشمله حديث ابن عوف ولم تشمله أوامر عمر فالمهمة أنتهت!
ويروي الطبري  (ثم دخلت سنة ثماني عشرة؛ ففيها كان طاعون عمواس، فتفانى فيها الناس، فتوفى أبو عبيدة ابن الجراح؛ وهو أمير الناس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وأشراف الناس.). ( تاريخ الرسل للطبري, ج 2, أحداث سنة ثماني عشرة, وفي طبعة الانترنيت ج6 ص 339). ويروي في ذلك اليعقوبي : (وكثر الطاعون بالشام، وكان طاعون عمواس، فمات أبو عبيدة بن الجراح، واستخلف عياض بن غنم على حمص، وما والاها من قنسرين، ومعاذ بن جبل على الأردن، ولم يلبث معاذ بن جبل إلا أياماً حتى توفي، ومات يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، فأقر عمر معاوية على عمل يزيد)( تاريخ اليعقوبي ج1 ص 165) .
 بعد وفاة والي الشام يزيد بن أبي سفيان بالطاعون قام عمر بتعيين أخيه الطامع في الملك معاوية بن أبي سفيان على بلاد الشام, وكان ذلك بداية التمهيد لمملكة بني أمية فمن صالح الملك المترقب قدوم مملكته وهو معاوية بن أبي سفيان أن يموت أخيه يزيد كذلك! ولا عجب في ذلك فما أكثر حوادث التاريخ  تلك التي قتل فيها الاخ أخيه ,أو قتل الاب أبنه ,أو قتل الابن أبيه في سبيل الملك والحكم . وذلك عين ماحصل , حيث استفاد معاوية ابن العشرين عاما آنذاك من موت أخيه يزيد بالطاعون فنال ولاية الشام ليجهزه عمر بن الخطاب بعد ذلك  للملك كما سيأتي ذكره.  بعد موت أبي عبيدة ومعاذ بن جبل لم يعد هناك من يرضى به عمر كخليفة من بعده, فكان المرشح الجديد لنيل منصب الخلافة هو عثمان بن عفان الأموي وتلك بداية حكم بني أمية, وحلم بنيل الخلافة من بعد عثمان, المدعو عبد الرحمن بن عوف  الزهري رواي حديث الطاعون المرعب الذي استحل به موت أبا عبيدة ومعاذا ويزيد بن أبي سفيان فنال بذلك منصبا كبيرا في عهد عمر . بعد هلاك أبي عبيدة ومعاذ وغيرهما يصبح عبد الرحمن بن عوف راوي حديث النبي المزعوم بخصوص مرض الطاعون الامين على مجلس شورى عمر, ثم يصبح المرشح القادم بعد عثمان ,  وفي عهد عثمان صار عبد الرحمن بن عوف الزهري  مليونير المسلمين, لقد كان حديث الطاعون الذي رواه عبد الرحمن بن عوف و زعم أن النبي قاله ولم يسمعه غيره , هو ورقة الضغط على أبي عبيدة ومعاذ وغيره من قبل عمر بن الخطاب. إن حلم عبد الرحمن بالخلافة بعد عثمان  لم يتحقق فآلة الاغتيالات الاموية التي أطاحب بالخليفة الاول أبوبكر وتخلصت من أبي عبيدة الجراح ومعاذ لم تكن لتترك عبد الرحمن بن عوف الزهري فمات في عهد عثمان , وسيأتي تفصيل ذلك في فصل (عثمان) .
 إن الاغتيالات والتصفيات في عهد عمر لم تكن بالشئ النادر فقد قامت حكومة عمر بالتخلص من أنصار حكومة الخليفة الاول أبي بكر . فعزل عمر المثنى بن حارثة الشيباني قائد جيوش العراق في عهد أبي بكر ثم يموت المثنى في معركة الجسر بالعراق. وقام عمر كذلك بعزل خالد بن الوليد الذي كان على جيوش الشام وعين محله أبوعبيدة عامر بن الجراح وقد مر بنا ذلك, ثم يموت خالد بن الوليد على فراشه من دون جرح أو مرض , ويموت بعد ذلك أبوعبيدة  الجراح  ويموت معاذ وغيره . لقد لحق الموت أنصار حكومة أبي بكر ومنهم بلال الحبشي الذي كان في بلاد الشام في عهد عمر . لقد تمت تصفية بلال واعوانه في بلاد الشام ولم يأت المؤرخون وأصحاب التراجم والسير بسبب منطقي واحد لموت بلال الحبشي ! روي العسقلاني في ترجمة بلال الحبشي  :
 (قال البخاري مات بالشام زمن عمر وقال بن بكير مات في طاعون عمواس وقال عمرو بن علي مات سنة عشرين وقال بن زبر مات بداريا وفي المعرفة لابن منده ,وأنه دفن بحلب‏.)( الاصابة للعسقلاني,  ترجمة بلال) . تأمل أن العسقلاني نفسه لايذكر سبب موت بلال بل يذكر احتمالات سبب موته, أما أحمد بن حنبل فيذكر تفسيرا آخر لموت بلال فهو يقول :(أصاب الناس فتحا بالشام فيهم بلال واظنه ذكر معاذ بن جبل فكتبوا الى عمر بن الخطاب أن هذا الفئ الذي أصبنا لك خمسه, ولنا مابقي ليس لاحد فيه شئ كما صنع رسول الله بحنين و فكتب عمر : إنه ليس على ما قلتم و ولكن أقفها للمسلمين, فراجعوه الكتاب وراجعهم , يأبون ويأبى , فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال : اللهم أكفني بلالا واصحاب بلال , فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعا)( فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل, باب فضائل عمر رقم الرواية 358 )
وهكذا ببساطة يؤول ابن حنبل موت بلال بأنه نتيجة دعوة عمر الخالصة تلك الدعوى التي أزهقت روح بلال من على بعد مئات الاميال . ويذكر ابن تيمية نفس التعليل فيقول :
 (وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف) ( منهاج السنة لابن تيمية ج 7 ص 140). تأمل تعطيل العقول عند السلف من وعاظ السلاطين, فهم يتركون أمر مقتل الرجل وأعوانه لدعوة الخليفة !
علق العلامة الطائي في موت هؤلاء في عهد عمر فكتب:  (كان معاوية بن أبي سفيان (والي عمر على الشام) ينفذ دعاء عمر بن الخطاب على الأرض، وقدرة معاوية على اغتيال المعارضين لا يجاريها أحد) ( كتاب أغتيال أبي بكر ص 68 للمحقق الدكتور نجاح الطائي).
 لقد استطاع معاوية بدهاءه أن يُمكن وصول عثمان بن عفان الى سدة الخلافة بعد مقتل عمر , وفي عهد عمر تمت تصفية كل المرشحين الذين كان عمر يردد اسمائهم . فمات أبوعبيدة ومعاذ ويزيد بحجة مرض الطاعون, ومات شرحبيل بن حسنة من قواد فتوح الشام بظروف غامضة فبعض المؤرخين يورد موته في الطاعون وبعضهم يورد موته مع بلال الذي أصابته دعوة الخليفة فمات بقوة الدعاء من بُعد! ومات خالد بن الوليد بعد عزله عن جيوش الشام مباشرة من دون مرض أو عاهة, ومات المثنى بن حارثة الشيباني  قائد جيوش دولة أبي بكر في العراق بعد عزله من قبل الخليفة عمر . لقد كانت يد بني أمية الملطخة بدماء المسلمين الاوائل تعمل دائبة في سبيل الوصول للحكم حتى نال عثمان بن عفان الاموي الحكم والخلافة, وعملاء معاوية بن أبي سفيان المخلصين كانوا يعملون بتحرك خفي لنيل هدف بني أمية ,فالمغيرة بن شعبة الغادر سعى بحيله للتخلص من عمر بن الخطاب نفسه قبل ذلك للتعجيل بعثمان الاموي للحصول على كرسي الخلافة -وسيأتي تفصيل ذلك -,كان المغيرة من أخلص الناس لمعاوية بن أبي  سفيان مثله مثل عمرو بن العاص وعثمان بن عفان وغيرهم .


مسألة الشورى والانتخاب الذي صنعه عمر قبل وفاته
بابتداع غريب يتوصل عمر  الى نظرية عجيبة في نظام الحكم , حيث جعل الخلافة لمن بعده في ستة اشخاص وهم ( عبدالرحمن بن عوف, الزبير بن العوام, طلحة بن عبيد الله, عثمان بن عفان , علي بن أبي طالب, سعد بن أبي وقاص) . لماذا تم الاختيار على ستة اشخاص وليس لسبعة أو خمسة أو عشرة فما أكثر الصحابة الاخيار؟ العدد ستة يبدو غريبا ولكن الغرابة تزول عند معرفة سبب اختيار عمر لهؤلاء الستة بالتحديد. لقد أوصى عمر في ساعاته الاخيرة وقبيل موته فجعل شرط الخلافة والكلمة الاخيرة لعبد الرحمن بن عوف الزهري رواي حديث الطاعون , كما وضع شرطا أخرا وهو العمل بسيرته (عمر) وسيرة ابوبكر الخليفة الاول وسيرة النبي (ص), واذن لن يتم انتخاب من يقول بعمل سيرة النبي محمد(ص) فقط  ؟ ونقول لو كان عمار بن ياسر وابوذر وجابر بن عبد الله والمقداد  وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وغيرهم مع هؤلاء الستة لرجحت كف علي بن أبي طالب ولاصبح خليفة المسلمين, ولكن في نفس عمر أمورا أخرى , لقد عرف عمر  مسبقا من سيكون الخليفة من بين الستة الذين عينهم,  وكما سيتبين من السطور الاتية !
 قال عمر مبينا طريقته العجيبة : (ان رجـالا يـقـولـون ان بيعة ابي بكر فلتة وقى اللّه شرها, وان بيعة عمر كانت من غير مشورة والامر بعدي شورى , فاذا اجتمع رأي اربعة فليتبع الاثنان الاربعة , واذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فـاتـبـعوا راي عبد الرحمن بن عوف فاسمعوه واطيعوا, وان صفق عبد الرحمن باحدى يديه على الاخرى فاتبعوه .)( انساب الاشراف للبلاذري ج5 ص15).  وفي رواية ثانية يقول عمر : (ان ضرب عبد الرحمن بن عوف احدى يديه على الاخرى فبايعوه ) ( كنز العمال ج3 ص160). يبدو جلياً ان الخليفة كان قد جعل امر الترشيح بيد عبد الرحمن ابن عوف راوي حديث الطاعون , فليس هناك اذن شورى بين ستة كما يبدو ,وبيَّت عمر مع عبد الرحمن بن عوف ان يـُشـتـرط في البيعة العمل بسيرة ابوبكر وسيرته , وجماعة الشورى يعلمون وعمر يعلم ان الامام علي ابن أبي طالب يابى ان يجعل العمل بسيرة ابوبكر وعمر في عداد العمل بكتاب اللّه وسنة رسوله (ص ) وان عثمان سيوافق على ذلك , فيبايع لعثمان بالخلافة . ولاندري هل اصبح العمل بسيرة ابوبكر وعمر أولى من العمل بسيرة  النبي محمد نفسه؟ لكن الامر يبدو لنا كذلك فقد صارت سيرة أبوبكر وعمر جزءا من هذا الدين على الرغم من تغييرهما لكثير من الامور كما مر . عند البيعة يقول عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبي طالب: (يا عليّ ! هل أنت مُبايِعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعلِ أبي بكر وعمر؟ فقال علي : كتاب الله وسنّة نبيّه، فنَعَم، أما سيرة ابوبكر وعمر فلا!.)( البداية والنهاية لابن كثير ج10 ص212). كيف يرضى علي بن أبي طالب بالعمل بسيرة ابوبكر وعمر وهما فعلا مافعلا من تغيير في السنة فقبول البيعة بذلك تعني القبول بالتحريف الذي صار في عهد أبوبكر وعمر, وهذا ما أباه علي ورفضه وهو تماما ما كان يعلمه عمر بن الخطاب وعلمه الخمسة الباقون من عصبة الشورى.  روى الطبري  في عبد الرحمن رئيس مجلس الشورى (ودعا عليا، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال عثمان: نعم، فبايعه، فقال علي: حبوته حبو دهر؛ ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك؛ والله كل يوم هو في شأن؛ فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا؛ فإني قد نظرت وشاورت الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله)( تاريخ الطبري , ج6 ص 115,باب انتخاب عثمان)
في الرواية الاتية من كتاب الطبقات لابن سعد يتبين  أن عمر بن الخطاب كان قد بيت انتخاب عثمان بن عفان قبل استحداث الشورى ! جاء سعيد بن العاص الى الخليفة عمر يستزيده في الارض ليوسع داره , فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ الى داره قال سعيد : (فـزادنـي وخط لي برجليه , فقلت : يا امير المؤمنين زدني فانه نبتت لي نابتة من ولد واهل فقال : حسبك واختبئ عندك انه سيلي الامر من بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك قال : فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان واخذها عن شورى ورضى فوصلني واحسن وقضى حاجتي واشركني في امانته ) . ليس كذلك فقط, ولكن سعيد بن العاص الاموي هذا يصبح والي الكوفة في عهد قريبه عثمان بن عفان الأموي! فتأمل .
اذن الـخليفة عمر كان قد انبا سعيد بن العاص انه سيلي بعده ذو رحم سعيد وهو عثمان حيث عثمان قريب سعيد بن العاص ,وطلب منه ان يـخبئ الامر عنده , ويتضح من هذه المحاورة ان امر تولية عثمان الخلافة كان قد بُت فيه في حياة الخليفة عمر, وتعيين الستة في الشورى كان من اجل تمرير هذا الامر بصورة تبدو مرضية  لدى الجميع . ( عن طبقات الصحابة لابن سعد ترجمة سعيد بن العاص , وتحليل الحادثة منقول بتصرف عن كتاب معالم المدرستين  للعلامة مرتضى للعسكري ) .ووصى عمر عثمانا  بقوله: (إن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس )(طبقات ابن سعد ج3 ص 247, أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 16  , الرياض النضرة للمحب الطبري ج2 ص 76.) ويؤيد هذه الرواية قول علي وطلحة والزبير لعثمان بن عفان  لما ولى الوليد بن عقبة على الكوفة فقالوا له: ألم يوصك عمر ألا تحمل آل أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشئ.( أنساب الاشراف للبلاذري  ج 5 ص 30), فكيف يوصي عمر وهو مات مطعوناً قبل تولي عثمان الخلافة؟ الحقيقة أن عمرا هيأ عثمان للخلافة قبل رحيله بزمن ثم أستحدث قصة الشورى, وفي  اليوم الاخير لحياة عمر بن الخطاب وفيها جاء: ( حين طعن عمر أوصى النفر الخمسة قولا ثم مال برأسه إلى عبد الله( ابنه) وهو مسند ظهره إلى صدره وقال: إن يولوا عثمان يصيبوا خيرهم)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبَّة ج ص 148 ), فأين الشورى يا أهل الشورى ؟ وأين مصطلح أهل الحل والعقد الذي يردده مجملوا التاريخ؟
صاحب الكلمة الاخيرة في مسرحية الشورى هو عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون المزعوم وهو صهر عثمان بن عفان فقد كان متزوجا من أخته,  أما سعد بن أبي وقاص فهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وهو ما يبينه قول الامام علي لابن عباس في حديثه عن الشورى حيث يقول علي : ( ان سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن, وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فاحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة , وان كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك اذ كان ابن عوف في الثلاثة الاخرين)( معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1 ص 139, وعن أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 19, ومثله في شرح ابن أبي الحديد باب الخطبة الشقشقية). كان سعد بن أبي وقاص في عهد عمر واليا على الكوفة فقام عمر بعزله عن ولاية الكوفة وجعل محله المغيرة بن شعبة, ولم يكن عزله الا تحضيرا لانتخاب عثمان ,فبعد عزله امره عمر بن الخطاب أن يأتي الى المدينة ليقيم فيها ووعده بأن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا كبيراً! وحقق الخليفة من بعد عمر ذلك, فقد اعاد عثمان ولاية الكوفة الى سعد بن أبي وقاص كما خطط له عمر, روى ابن الاثير:
(ذكر عزل المغيرة عن الكوفة وولاية سعد بن أبي وقاص ,وفيها عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة واستعمل سعد بن أبي وقاص عليها بوصية عمر فإنه قال‏:‏ أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدا فإني لم أعزله عن سوء ولا خيانة فكان أول عامل بعثه عثمان فعمل عليها سعد سنة ) ( الكامل لابن الاثير , ج 2 احداث سنة24, تاريخ الطبري ج6 ص121). تأمل أن الخليفة عمر هو الذي عزله أولا حتى يأتي به ليقيم في المدينة كي يكون في جماعة الشورى الستة ! إن المدينة كانت مقام خيرة الصحابة أمثال أبوذر الغفاري والمقداد  وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم من المسلمين الاوائل لكن عمر يختار سعد لسبب في نفسه.  النص أعلاه يبين أن عمر بن الخطاب عزل سعد عن أمارة الكوفة وجعل عليها المغيرة بن شعبة لسبب مهم , ولذلك يوصي عمر في وصيته للخليفة من بعده  ( أوصي الخليفة من بعدي أن يستعمل سعداً فإني لم أعزله عن سوء ولاخيانة) , وقول عمر هذا يدل على أن سعداً سيتولى منصبا في المستقبل . ونقول أذا كان عمر لم يعزل سعدا عن سوء ولا خيانة فلماذا لم يهبه منصبا في عهده ؟ السبب هو أن عمرا أحتاج لرجل يعتمد عليه في أنتخاب عثمان من بعده فأتى بسعد من الكوفة وجعله يقيم في المدينة بعد عزله ,وعده أن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا من بعده وهذا يعني أن سعدا لن يكون الخليفة القادم , إذن جعله في مجلس الشورى لن يكتب له أن يكون خليفة فهو مجرد صوت لعثمان بن عفان بن ابي العاص الاموي. إذن الاتيان بسعد من الكوفة  لم يكن ألا لترجيح كفة عثمان في الشورى  وبعد تلك الوعود سينتخب سعد الخليفة الذي سيعطيه منصبا كما وعده عمر ,وبذلك ضمن عثمان صوتا لصالحه في مجلس الشورى الصوري ليتفوق على علي بن أبي طالب .  فالاتيان بسعد بن أبي وقاص من الكوفة وجعله في منصب الشورى السداسي دليل على تخطيط قام به عمر بالتعاون مع عثمان كي ينال ترجيح الاصوات وهذا ماتم . ومن الطريف أن عثمان بن عفان لم يفي بوعده لعمر بن الخطاب الميت الا لفترة قصيرة ,حيث أعاد سعدا بن أبي وقاص على الكوفة حسب تخطيط عمر, وما أن أستتبت الامور لعثمان حتى عزل سعدا بن أبي وقاص عن الكوفة  وعين محله الوليد بن عقبة بن معيط الفاسق بنص القرآن الكريم وهو أخو عثمان لأمه , روى ابن الاثير:
 (في هذه السنة عزل عثمان بن عفان سعد بن أبي وقاص عن الكوفة في قول بعضهم واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه) ( الكامل لابن الاثير ج2 باب عزل سعد بن أبي وقاص)
وهكذا لم يكن سعد بن أبي وقاص سوى صوت أستفاد منه عمر لانتخاب عثمان فلما أنتهت الغاية من ذلك عزله عثمان بن عفان مرة ثانية ولم يوله أي منصب, وأثار هذا حفيظة سعد بعد خسارته فندم وجعل يروي الاحاديث النبوية في مدح الامام علي بن أبي طالب في آخريات عمره ولكن بعد فوات الاوان, وستأتي سيرة سعد في فصل ( أعداء النبي).
 نعود الى حبكة جماعة الشورى الستة لنرى كيف تم اختيار الخليفة المرتقب:
لقد مال عبد الرحمن بن عوف لصهره عثمان وأختاره وفق الخطة المرسومة مسبقاً فصار عثمان الخليفة. وقال علي بن ابي طالب لعبد الرحمن بن عوف لما بايع عثمان في اليوم الثالث : (حـبـوته حبوة دهر, ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا, فصبر جميل واللّه المستعان على ما تـصـفون واللّه ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك , واللّه كل يوم في شان) (تاريخ الطبري ج3 ص 297, الكامل لابن الاثير ج3 ص 37 , العقد الفريد ج3 ص 76 ) هذا النص يبين ظلامة علي بن أبي طالب ويبين المؤامرة التي حيكت لابعاده عن السلطة بشتى الوسائل . في رواية أخرى يقول الامام علي لعبدالرحمن بن عوف بعد أن صفق عبدالرحمن يده على يد عثمان وبايعه للخلافة : ( أيهاً عنك إنما آثرته بها لتنالها بعده، دق الله بينكما عطر منشم)( شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج9) ومنشم اسم أمرأة بمكة كانت عطارة وهي من خزاعة يضرب بها المثل لان قومها ادخلوا أيديهم في عطر لها قبل القتال وبفعلهم ذلك كثر القتل فيما بينهم فعزوا ذلك القتل الى العطر شؤما, فكان يقال ( أشأم من عطر منشم) , وهذا ماحصل بعد ذلك  بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف أستجابة لدعوة الرجل الصالح علي بن ابي طالب , فقد هجر عبدالرحمن عثمانا ولم يكلمه حتى مات ولم يهنأ عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون بمنصب الخلافة كما كان يأمل, وليس بعيدا أن عثمان أغتال عبد الرحمن بن عوف بالسم تمهيدا لبني أمية ومعاوية في الشام . يقول الامام علي  في خطبته الشقشية في ذكر رجال الشورى الستة ( فصغى رجل منهم لضغنه , ومال الاخر لصهره مع هن وهن الى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ......) اما الرجل الذي صغى لضغنه فهو سعد بن أبي وقاص الذي يبغض علياً لان أم سعد هي حمنة بنت ابي سفيان بن أمية وكان علي بن أبي طالب قد قتل العديد من أخوال سعد بن أبي وقاص, وأذن فسعد بن أبي وقاص لن يكون في جانب علي , وهذا ماعرفه عمر لهذا جلبه من الكوفة وجعله يقيم في المدينة في فترة الشورى ووعده بأن عثمان سيعطيه منصبا , فهذا واحد ضد علي ! والذي مال لصهره فهو عبد الرحمن بن عوف لانه صهر عثمان فزوجة عبد الرحمن هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هي أخت لعثمان من أمه وكان عليا قد ذبح أبوها في معركة بدر . كما أن عبد الرحمن كان متزوجا من أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وقد قتل الامام علي  اخاها الوليد وعمها شيبة  في معركة بدر, فتأمل . واذن عبد الرحمن وعثمان لن يكونا مع علي أيضا وهذا ما توقعه عمر, وأذن صار أثنين من الرجال الستة ضد علي  , أما ثالث الستة فهو طلحة بن عبيد الله  فهو من بني تيم وكان بين بني تيم وبني هاشم مواقف مرت بنا  بسبب خلافة ابوبكر الذي هو من بني تيم أيضا, ولن يكون طلحة مع علي لسبب اخر هو أن علي بن أبي طالب كان قد قتل أثنين من اخوة طلحة في حروب المسلمين وهما عثمان ومالك اولاد عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . إذن سيصغي طلحة لضغنه أيضا بغضا بعلي وهذا ثالث  الستة, أما رابع الستة فهو عثمان نفسه  ويريد الملك لنفسه ولن يكون مع علي . وبذلك ضمن عمر الاكثرية ضد علي بن أبي طالب وهو تماما ما خطط له أبو سفيان شيخ بني أمية الذين منهم عفان و سنرى ذلك بجلاء في فصل (الخليفة الثالث عثمان). أما قوله (هنٍ وهنٍ) فهي كناية عن أمور يكره ذكرها. وهكذا اتفق الجميع ماعدا الزبير بن العوام على عدم انتخاب علي واختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان وتمت البيعة  ؟
 كانت غاية قصة الشورى هو إبعاد علي بن أبي طالب عن منصب الخلافة وتهيئة بني أمية لاتخاذ دورهم في قيادة الامة وعثمان بن عفان أموي كما معلوم. واذن ابتدع عمر نظاما جديدا ليس هو بانتخاب وليس هو بتعيين ولا يمت للدين بأية صلة , ومن العجيب أن يصف كتابنا المعاصرون هذا العمل الذي لم يأتي من القران أو من الحديث بالعمل العبقري . لقد خالف عمر السنة وخالف  النبي لأن  النبي كما يقول جمهور السنة لم يوص للخلافة لاحد من بعده فقد ترك  النبي محمد(ص) الامة على حالها وقامت الامة بانتخاب أبوبكر على حد قولهم كما مر بنا في فصل السقيفة , فلماذا لم يترك عمر بن الخطاب الامة كما فعل  النبي نفسه ويتأسى بعمل  النبي ؟ واذا كان عمر يقتدي بأبي بكر فلماذا لم يوص بالخلافة لرجل واحد كما فعل أبوبكر عندما ادلى للخلافة من بعده لعمر؟ لنتذكر كتابة الوصية من فصل ابوبكر وكيف أن ابابكر غاب عن الوعي في سكرات الموت فكتب عثمان بن عفان اسم عمر بن الخطاب في الوصية ولما أفاق ابوبكر من غيبوبته قال له عثمان كتبت اسم عمر في الوصية فامضاه, الا يبين لنا ذلك الموقف وفاء عمر لعثمان فادلى للخلافة له من بعده بصورة الشورى .
كان عثمان يعلم أن خصمه الاكبر هو علي بن أبي طالب لذلك حاول التخلص منه منذ أيام عمر والرواية الاتية تظهر حقيقة ذلك , ففيها ينصح عثمان عمرا بأن لايخرج للحرب وليبعث بدلا منه علي بن أبي طالب لقتال الفرس والروم ! روي المسعودي:  (فدخل عثمان عليه(  عمر بن الخطاب)، فقال له: يا أبا عبد الله أشر علي أسير أم أقيم. فقال عثمان: أقم يا أمير المؤمنين وابعث بالجيوش، فإنه لا آمن إن أتى عليك آتٍ أن ترجع العرب عن الإسلام، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض، وأبعث رجل له تجربة بالحرب وبَصَر بها، قال عمر: ومن هو. قال: علي بن أبي طالب، قال: فالقه وكلمه وذاكره ذلك، فهل تراه مسرعاً إليه أو لا، فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك، فأبى علي ذلك وكرهه، فعاد عثمان إلى عمر.)( مروج الذهب للمسعودي , باب عمربن الخطاب). لم يفلح عثمان بهذه الطريقة الميكافيلية  في التخلص من علي لكنه على اقل تقدير حاول ذلك.
كان لدور اليهود ايضا ثقل في عدم إرجاع الخلافة لصاحبها الشرعي أيام عمر , فقد كان عمر يستشير كعب الاحبار اليهودي في كثير من الامور وسيأتي تفصيل ذلك في فصل ( دور اليهود ) . ويُروى أن عمرا في أواخر أيامه كان يستشير كعبا اليهودي حتى في أمر الخلافة وكما يلي :
يروي ابن عباس ما شاهده  يوما عند الخليفة عمر وكان كعب الاحبار حاضرا: (قال عمر لكعب الأحبار يوماً وأنا عنده: إنّي قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر وأظن وفاتي قد دنت، فما تقول في عليّ؟ أشر عليّ في رأيك وأذكرني ما تجدونه عندكم، فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا هذا مسطور في كتبكم، فقال (كعب الاحبار): أمّا من طريق الرأي فإنّه لا يصلح، إنّه رجل متين الدين، لا يغضي على عورة, ولا يحلم عن زلة, ولا يعمل باجتهاد رأيه, وليس هذا من سياسة الرعية في شيء، وأمّا ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي الأمر ولا ولده، وإن وليه كان هرج شديد، قال: كيف ذاك؟ قال: لأنّه أراق الدماء، فحرمه الله الملك)( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 81). فتأمل تحليل اليهودي كعب في أمير المؤمنين علي فيالها من نصيحة من  يهودي ككعب أسلم بعد وفاة النبي بعشر سنين ,يشاوره الخليفة عمر في أمر أول المؤمنين وأول رجل نطق بالشهادة .
وهكذا انحرفت الدولة بعد انحرافها الاولي الى انحراف أخطر في عهد عثمان الاموي ,وكان ابو سفيان بن حرب( أبو معاوية بن أبي سفيان) شيخ بني أمية من أول المهنئين لعثمان الاموي على تسنمه الخلافة, حيث دخل عليه وكان ابو سفيان قد فقد بصره انذاك فقال ابوسفيان  : (هاهنا أحد؟( كي يطمئن أن لايسمعه احد من خارج بني قومه ) فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية.  وكذلك قال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار( تيم قوم ابوبكر وعدي هي عشيرة عمر بن الخطاب)(  أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري ج1 ص 139, و نقله عن الاغاني للأصفهاني ج6 ص323), ووردت الرواية في مصادر شتى بألفاظ مختلفة قليلاً منها كتاب الفائق للزمخشري الذي يقول في شرحه لكلمة (تزقف)  ( ثم يتزقفها تزقف الرمانة,  زقف التزقف والتلقف أخوان وهما الاستلاب والاختطاف بسرعة ومنه : إن أبا سفيان  قال لبنى أمية : تزقفوها تزقف الكرة وروى : تلقفوها يعنى الخلافة) ( الفائق في غريب الحديث للزمخشري ص 135) . وذكر البلاذري  : ( دخل عثمان على عثمان وهو مكفوف , ثم خرج من عنده وهو يقول : (تلقفوها يابني أمية تلقف الكرة فما الامر على مايقولون) ( أنساب الاشراف للبلاذري, باب نسب بني عبد شمس) 


لمزيد من قراءة راجع http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/5.html



No comments:

Post a Comment