إن تشويه سيرة النبي والحط من قدره العظيم يعتبر
من أبرز سمات المؤامرة وأفدحها, فقد لوث المتآمرون النبي الطاهر (ص) بلوثات الجاهلية وصنعوا رجلاً
ينزل في قدره عن صحابته ومعاصريه, وخلف
ذلك تراثاً جعل باقي الامم يتندرون على الدين وعلى النبي بسبب ذلك الحط والتشويه
منذ أيام المستشرقين والى يومنا هذا , فلا زلنا نسمع بين اونة واخرى من يتندر على
النبي بصيغة رسوم متحركة أو برواية ادبية . إن المتصفح لحوادث التاريخ ولروايات السيرة بإمكانه ملاحظة ذلك التشويه المتعمد للنبي(ص) ,
فجرم ذلك يقع على كتبة التاريخ من المسلمين أنفسهم.
لقد استطاع العرب واستطاعت
قبيلة قريش بالذات من طمس الصورة الحقيقية للنبي محمد في التاريخ , فكونت الاحاديث
والوقائع المكذوبة والمحرفة في أذهان
الاجيال نبياً هو غير النبي محمد. وكان فعل قريش أيام بداية الدعوة جلياً في ذلك,
فقد سمت قبيلة قريش محمدا بأسماء كثيرة وألقاب عديدة ذكرها القران الكريم, منها المجنون والساحر والابتر , وكذلك لقبت
قريش النبي بألقاب منها لقب (أبوكبشة) للحط منه,
وردت تلك الالقاب في أشعار قريش قبل الاسلام وبقيت حتى بعد الاسلام ومن تلك
الاشعار أبيات للأسود بن يعفر الذي تغنى بأشعاره عمر بن الخطاب بعد اسلامه عندما
عاقر الخمر وفيها نعى قتلى معركة بدر :
(شرب عمر الخمر فأخذ بلحى بعير
وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر فقال:
وكائن بالقليب قليب بدر من الفتيان والعرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر من الشيزى المكلل بالسنام
أيوعدني (ابن كبشة) أن سنحيا وكيف حياة أصداء وهام؟
أيعجز أن يرد الموت عني وينشرني إذا بليت عظامي؟
ألا من مبلغ الرحمن عني بأني تارك شهر الصيام؟
فقل لله: يمنعني
شرابي وقل لله: يمنعني طعامي)(ربيع
الأبرار للزمخشري ج4 ص51 ,المستطرف من كلّ فنّ مستظرف للأبشهي ج2ص260 )
في رواية أخرى يقال
أن المتغني بالابيات هو الخليفة الاول أبوبكر, وكان مع عمر يحتسي الشراب في بيت رجل إسمه أبوطلحة , وهذا لايناقض
الرواية الاولى فمن المحتمل أنهما كانا يتغنيان بهذه الابيات تحت تأثير الخمر فطفق
أحدهما يغني بالابيات وردد الاخر معه, ويحصل تصرف السكارى هذا كثيراً في جلسات
الشراب بين الندماء حيث يغني أحدهم ثم يجيبه الاخر مردداً. وفي رواية طويلة عن أنس
بن مالك يروي أنه كان يسقي الخمر لجمع من الصحابة فشرب الخمر أبوبكر وقعد ينوح
قائلا : أُحيّ أم بكر بالسلام وهل بعد قومك من سلام , أيوعدني أبن كبشة أن سنحيا
وكيف حياة أصداء وهام! ورواية أنس ذكرت أحدعشر صحابيا فيهم أبوبكر وعمر ( راجع
النص في فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج10 ص 31 باب كتاب
الاشربة , الاصابة في معرفة الصحابة ج4 ص 22, فتح القدير للشوكاني ج 1 ص 472).
يستدرك الرواية ابن حجر فينبري مدافعاً عن أبي بكر , فعنده أن أبابكر لايقول ذلك
ولايشرب الخمر, فيكتب ( ومن المستغربات ما أوردوا عن طريق عيسى بن طهمان عن أنس أن
أبابكر وعمر كانا فيهم ( يعني أنهما كانا يحتسيان الخمر مع باقي الصحابة), وهو
منكر مع نظافة سنده وما أظنه الا غلطا))فتح الباري لابن حجر العسقلاني,
كتاب الاشربة)! يعترف ابن حجر بصحة سند الرواية
لكنه لايستطيع تقبل حقيقة أن أبابكر شرب الخمر وتغنى بقتلى بدر, ويقع ابن
حجر في مشكل لتنظيف سمعة أبابكر لكنه في النهاية يقبل بالرواية على مضض ويقول ..( ان
قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق أبابكر) (انتهى كلام ابن حجر) ,
ونقول ان قوله (قرينة ذكر عمر تدل على عدم
الغلط في وصف الصديق ) إنما بناه من حقيقة أن عمرا وأبابكر كانا معاً في اغلب
المواقف والروايات , فما تسمع بعمر الا وترى أبابكر معه , فهما في صحبة دائمةً .
ولانتشار القصيدة بين الناس انبرت عائشة ابنة الخليفة الاول ابوبكر بنفي هذه
المثلبة عن أبيها فقالت: (والله ما قال
أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام) (الاصابة لابن حجر ج7 ص39) , وقولها
لم ينفي وقوع الحادثة فهي زعمت أن أباها لم ينظم الشعر لكنها لم تنف أنشاده لها! و هذا لايمنع أنه كان
يتغنى بالاشعار والقصائد حتى وإن كان لم ينظم أو يقول الشعر طوال حياته, فظلت
الحادثة في بطون الكتب . إن لقب أبوكبشة
أستعمله كل كاره للنبي وكل من كان في قلبه غيظ عليه, ولما احتسى القوم الخمر ظهرت
حقيقة نواياهم فنطقوا بما في قلوبهم. كان معاوية بن أبي سفيان بعد اسلامه أيضاً من الذين استعملوا لقب أباكبشة
عند ذكره للنبي محمد(ص) حيث يقول (وإنَّ ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات ,
أشهد أنَّ محمّداً رسول الله , فأي عمل يبقى؟ ,وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا
والله إلا دفنا دفنا .) (صحيح مسلم بشرح النوويّ ج1 ص 81، المسترشد في الامامة
للطبريّ ص 174) وقد مر ذكر الرواية في فصل أمية. كان رؤوساء قريش يحثون الاطفال
لرمي النبي بالحجارة ويسخرون منه عند
تلاوته للقران , أما أثناء صلاته فليس أفدح مما فعلوا مرة حينما ألقوا بروث
الحيوانات عليه. هذه حقائق لايمكن تناسيها فهي مذكورة في السيرة وفي ايات القران
أيضا وهناك آيات كثيرة في القران ذكرت حقائقا أخرى تلميحاً وتبين التفاسير تفاصيل
ذلك. ان ذلك الحقد على النبي لم يكن لينتهي في يوم فتح مكة, فكفار قريش الذين
كادوا للدين قبل فتح مكة أسلموا يوم الفتح خوفاً وطمعاً وظلوا يحيكون مؤامراتهم
انتقاماً من النبي (ص).
ان الحط من مقام
النبي بعد وفاته يتجسد في حرب المسلمين لال بيته , فأفعال العرب في آل النبي لم
تكن سوى انتقاماً شخصياً من محمد الذي سفه أحلامهم , وساوى بين الناس في المقام
فصار الفقير يصلي بجانب الغني ذو الجاه وصار السيد رجلا كباقي الناس . ويظهر
انتقام العرب من النبي محمد جليا في قصة
وفاة ابنته الوحيدة فاطمة التي لم تلبث أن ماتت بعد رحيل النبي بفترة
قصيرة, وكان عمرها على أغلب الروايات لايتجاوز الواحد وعشرين عاماً , وتتضافر
روايات على انها عاشت بعد وفاة النبي لمدة ستة أشهر فقط ثم ماتت بظروف جعلها
المبيضون لصفحات التاريخ (ظروفا غامضة) ,
ولازال محل قبرها مجهولا الى يومنا هذا (راجع فصل السقيفة , الهجوم على بيت فاطمة). لقد كانت فاطمة من أحب الخلق الى النبي فلم
يصبر أعداءه بعد رحيله سوى التعجيل برحيل ابنته بعده. وكذلك فعلت قريش باقرب الناس الى النبي الا وهو
علي بن أبي طالب فعزلته عن تولي أي منصب وابعدته عن الحكم لفترة طويلة وهي حكم
الخلفاء الثلاثة الاوائل ,وعندما صار خليفة
ظهر حقد العرب واضحاً في كرههم لعلي فحاربته قريش وحاربه المسلمون في ثلاث
حروب وهي الجمل وصفين والنهروان أبان حكم خلافته القصير الذي كان مايقارب الاربع
سنين, وبعد أغتيال الامام علي بن أبي طالب , يغتال المسلمون ابنه الحسن بن علي
بالسم ثم
يذبح المسلمون أحفاد الرسول وال
بيته في كربلاء ,واستمرت المؤامرة بتصفية آل النبي كما مر بنا في فصول الكتاب .
لقد أدخل المحرفون في التاريخ أن أبا طالب
عم النبي و ناصره الاوحد في سنين الدعوة الاولى مات كافراً بالله عابداً للأصنام
,فضربوا عصفورين بحجر ,الاول هو تلقين الاجيال أن أبا طالب عم النبي وناصره في
دعوة التوحيد كافرا من أهل النار , والثاني أن أباطالب الذي هو والد الامام علي
مات كافرا مشركا فجعلوا علي بن أبي طالب ابن كافر , وقد تم تفنيد هذا الزعم في فصل
( الامام علي ) فليراجع.
لمزيد من قراءة
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/10/13.html
No comments:
Post a Comment