Monday, October 6, 2014

قصة السقيفة




-3-قصة السقيفة وكيف تمت البيعة, وكيف تم الانتخاب؟

بعد وفاة النبي (ص) واجهت المسلمين مسألة من سيكون الخليفة من بعده ؟ وتقدم ذكر أراء الفريقين في نظام الحكم ,وكانت تلك المشكلة الاولى في افتراق المسلمين الى فريق يؤمن بأن الخلافة للامام علي بن ابي طالب بنص من النبي (ص) , وفريق لايؤمن بذلك.  الذين لم يؤمنوا بأحقية علي بن ابي طالب في الخلافة خرجوا من مسجد النبي (ص) والنبي مُسجى , وذهبوا الى منطقة في المدينة يقال لها السقيفة. السقيفة هي ساحة في يثرب ( المدينة المنورة) تم فيها تنصيب الخليفة الاول أبوبكر والنبي (ص) لم يُدفن بعد .
فيما يلي الشخصيات الرئيسية التي كانت حاضرة في السقيفة وينقسمون الى جماعتين , الجماعة الاولى وهم أهل مكة من قبيلة قريش ويسمون بالمهاجرين, والثانية هم اهل المدينة (يثرب) ويسمون بالانصار لأنهم نصروا النبي (ص) في دعوته.
الخليفة الاول ابوبكر بن ابي قحافة ( مهاجر من قبيلة قريش )
عمر بن الخطاب العدوي ( مهاجرمن قبيلة قريش )
أبوعبيدة عامر بن الجراح (مهاجر من قبيلة قريش )
عبد الرحمن بن عوف الزهري (مهاجر من قريش)
سعد بن عبادة الخزرجي ( أنصاري من أهل المدينة وهو سيد قبيلة الخزرج , معارض لخلافة أبي بكر ) 
الحباب بن منذر . ( أنصاري من اهل المدينة)
زيد بن ثابت ( أنصاري من المدينة من المؤيدين للخليفة أبو بكر, يهودي الاصل . سيرته في فصل دور اليهود )
أسيد بن حضير الكتائب الاوسي( انصاري من سادات قبيلة الاوس الانصارية  من المؤيدين لأبي بكر وحزبه لحسده لسيد الخزرج سعد بن عبادة , كان اسيد من المتخلفين عن معركة  بدر كما في  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج14 ص 186 ، عيون الأثر لابن سيد الناس  ج1 ص 3251 ,سيرة ابن حبان ج1 ص182)
بشير بن سعد ( أنصاري من أهل المدينة من المؤيدين لأبي بكر ومن الحسودين لسيد الخزرج سعد بن عبادة)
وستاتينا سير حياة هؤلاء بتفصيلاتها في فصول الكتاب .

تهيئة المنصب:
بعد وفاة النبي (ص) طاف عمربن الخطاب بالناس وهو يصيح مقسما: (والله ما مات رسول الله. والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. وجاء أبو بكر فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر.).(صحيح البخاري, باب فضائل ابوبكر).  كانت غاية عمر هي تهدئة الناس كي لا يطمعوا في الخلافة حتى وصول صاحبه أبوبكر, وفيما يلي روايات تثبت ذلك :
أعلن العباس عم النبي وفاة النبي (ص) في المسجد فقام عمر منفعلاً وقال:
) ان رسول الله لم يمت, ولكن ربه أرسل اليه كما ارسل الى موسى فمكث عن قومه اربعين ليلة, والله أني لارجو أن يعيش رسول الله حتى يقطع ايدي رجال من المنافقين والسنتهم يزعمون أن رسول الله قد مات, لا اسمع رجلا يقول مات رسول الله الا ضربته بسيفي هذا!) (مسند احمد ج 3 ص 196 , سنن الدارمي ج1 ص 139 , كنز العمال  ج 7 ص 244 , السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص 178.)
فقال العباس عم النبي:
 ( إن رسول اللّه يأسَنُ كما يأسَنُ البشر، وإن رسول اللّه قد مات فادفنوا صاحبكم، أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين ؟! هو أكرم على اللّه من ذلك، فإن كان كما تقولون فليس على اللّه بعزيز أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء اللّه. ما مات حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً .)( عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري عن طبقات ابن سعد ج 2 ص 53, أنساب الاشراف للبلاذري ج1 ص 567, سنن الدارمي ج 1 ص39 ،  كنز العمال ج4 ص 53 , نهاية الارب  للنويري ج 18 ص 286 )
فقام رجل في آخر المسجد واسمه عمرو بن قيس بن زائدة فقرأ الاية :( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم), فقال المغيرة بن شعبة لعمر : يا عمر مات رسول لله , فقال عمر بل كذبت فأنت رجل تحوسك فتنة , والله أن رسول الله لايموت حتى يفني الله المنافقين) ( مسند احمد ج 3 ص 196 , سنن الدارمي ج1 ص 139 , كنز العمال ج 7 ص 244 سيرة ابن كثير ج4 ص 178. ). لم يأبه عمر لقول الرجل بل استمر في صياحه  : (فما زال عمر يتكلم حتى أزبدَّ شَدْقاه)(  أنساب الاشراف للبلاذري ج1 ص 567, طبقات بن سعد ج2 ص 53, كنز العمال ج4 ص 53 ) , -أزبد شدقاه تعني أن جوانب فمه أمتلأت باللعاب وبزبد ريقه من كثر الصياح والانفعال-. في اثناء ذلك يصل رجل اسمه  سالم بن عبيد الاشجعي الى بيت أبي بكر في منطقة السنح ليعلمه بوفاة النبي. (تاريخ ابن كثير ج5 ص 244), ومنطقة السنح تقع في اعالي المدينة وتبعد بأميال عن بيت النبي ومسجده, وهذا يعني أن أبابكر كان في بيته الذي يبعد بأميال عن بيت النبي ولم يشهد وفاة النبي وكان المفروض وقتها أن يكون أبوبكر في سرية أسامة بن زيد التي أمر بها النبي لتخرج خارج المدينة , وقال النبي في ذلك عندما سمع تخلف بعض الصحابة عن الخروج ( انفدوا سرية أسامة لعن الله من تخلف عنها), وقد تقدم ذكر ذلك في الفصل السابق. روى الهندي :(فما أن جاء  أبوبكر من بيته في السنح حتى جلس عمر) (كنز العمال ج 4 ص53) وكذلك روى البخاري كما تقدم  , إذن اطمأن عمر بوصول صاحبه ,فجلس!. 
روى ابن سعد  أن أبابكر عندما دخل المسجد ورأى عمر في صياحه وانفعاله قال ابوبكر لعمر : ( ايها الحالف على رسلك ,أن الله يقول أنك ميت وأنهم ميتون, وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأمن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم... ) ثم اردف قائلاً  (من كان يعبد اللّه فإن اللّه حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات.) وفي لفظ آخر قال أبوبكر ( ومن كان يعبد محمدا فقد هلك الهه!). ( الطبقات لابن سعد  ج 2 ص 54, تاريخ الطبري ج 1 ,السيرة النبوية لابن كثير, السيرة الحلبية ج 3 ص 392, سنن ابن ماجة حديث رقم 1627 , المصادر الثلاثة الاخيرة عن كتاب ابن سبأ للعلامة العسكري ,باب السقيفة)
فقال عمر: هذا في كتاب اللّه ؟ قال ابوبكر: نعم(طبقات ابن سعد ج2 ص 54).
فقال عمر: (واللّه ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت على الارض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول اللّه قد مات)( ابن سبأ للعلامة العسكري باب السقيفة , وعن سيرة ابن هشام ج4 ص334, تاريخ الطبري ج 2 ص444, البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص 242, الكامل لابن الاثير ج2 ص 242,  شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 128،  كنز العمال ج4 ص 48 الحديث 1053، ونهاية الارب  للنويري).
الاية التي تلاها أبوبكر وهي آية ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل أنقلبتم على اعقابكم) هي ذات الاية التي تلاها قبله بقليل الصحابي عمرو بن قيس بن زائدة الذي كان جالساً في نهاية المسجد , فلماذا لم يصدقه عمر بن الخطاب بينما صدق أبابكر عندما قرأ نفس الاية؟ ثم أعقب ذلك بتجاهل قائلا : هذه الاية في كتاب الله؟  هذه الاية أنزلت بعد معركة أحد أي قبل وفاة النبي بما يقارب عشر سنين ,وسمعها الصحابة ونزول الاية كان  بسبب فرارهم عن النبي في معركة أحد ,وظنوا حينها أن النبي قد قُتل وعمر بن الخطاب كان أحد أولئك الصحابة الفارين- وسيأتي ذكر ذلك في فصل ( عمر )-, فعمر كان يعرف الاية  لكنه تجاهلها قبل مجئ أبوبكر , ثم سكت عندما قالها أبوبكر !وهذا يدل على تخطيط مسبق لتهيأة الخلافة لأبي بكر . بالاضافة الى ذلك, المتأمل في اعلاه سيتذكر قصة رزية يوم الخميس التي تقدم ذكرها عندما طلب النبي (ص) كتاب ودواة وصاح عمر ومن معه بأن النبي قد غلبه الوجع فاتركوه ,وفي رواية أخرى يقول عمر ان النبي (ليهجر) ! والهجر هو التخريف الذي يحصل للرجل قبل الوفاة. اذن عمر كان على يقين من موت محمد ولذا يصفه بالذي يهجر , واغلب المسلمين عرفوا أن ذلك العام كان اخر عام مع النبي فقد قال النبي الكريم لهم اكثر من مرة : نعيت لي نفسي.. وقال في حجة الوداع أمام الناس: )إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني هذا العام مرتين، وما أراه إلا قد حضر أجلي( (صحيح البخاري باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي ، الطبقات لابن سعد ج2 ص 194), وقد رأى العباس (عم النبي) ذات ليلة في منامه أن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء. فقال النبي(ص)  له: هو ابن أخيك. وقال العباس: عرفنا أن بقاء رسول الله  فينا قليل (طبقات ابن سعد), وقال النبي قبل رحيله بليلة لأبي مويهبة: )إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة... لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي) (دلائل النبوة، البيهقي ج7 ص 162  ، البداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 224), فموت النبي (ص) لم يكن مستحيل الوقوع , بل عرف الناس جميعا أن النبي يموت كباقي البشر ,واحتمال موته في ذلك العام أو في العام الذي بعده حتم سيحصل, فليس هناك مفاجأة في ذلك . وإذا فاتت عمر هذه الاية فما قوله في غيرها من الايات مثل آية: ( أنك ميت وانهم ميتون)( الزمر30) أو الاية  ( أينما تكونوا يدرككم الموت)( النساء87) أو الاية(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم.)(آل عمران144) أو آية( كل نفس ذائقة الموت )( ال عمران 185), فكيف يقول : (ولله ما مات رسول الله.) ؟
عمر ناقض ما قال في يومه السابق , فإذا كان حقاُ يعتقد بخلود النبي كما صرح, أو يؤمن أن ذلك اليوم ليس يوم النبي الأخير ,فلماذا تخلف عن سرية أسامة متحججا بمرض النبي وبصغر القائد أسامة؟ وكيف يقول أن النبي ليهجر والهجران هو التخريف قبل ساعة الموت؟  ما حصل بين وهو كمايلي :  لقد أراد عمر تهدئة المسلمين عند وفاة النبي منتظرا  مجئ  صاحبه أبوبكر من بيته البعيد في منطقة السنح بالمدينة, فما فعله كان تخطيطاً  لصاحبه ابوبكر و حتى تكون له بعد ذلك , وتحقق ذلك كما خُطط له , وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب في خطبة حول الخليفة الاول وصاحبه عمر : ( لشدا ما تشطرا ضرعيها) .)( الخطبة الشقشقية في  نهج البلاغة) ,  والخطاب بصيغة المثنى فهو يقصد عمرا وابابكر بذلك, وتشطر الضرع مثل يُضرب لمن يقاسم ما تأتي به الناقة من الحليب , فهما تقاسما الخلافة وكذلك يقول علي  كما سيأتي بعد قليل : (احلب يا عمرحلبا  لك شطره ، اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا).  نعود لتكملة الرواية , بعد كلام أبوبكر في المسجد وبعد سكون عمر واطمئنانه بوجود صاحبه ,قال عمر : (يا ايها الناس هذا ابوبكر وهو ذو شيبة المسلمين فبايعوه )( مسند احمد ج3 ص 196 , سنن الدارمي ج 1 ص 39 , كنز العمال 7 ص 144  , السيرة النبوية لابن كثير  ج4 ص 144) وقول عمر هذا دليل آخر على تخطيط عمر وأبوبكر للحصول على الخلافة.
ثم يأت آت بخبر اجتماع الانصار في سقيفة بني ساعدة ( الانصار هم سكان المدينة الاصليين الذين نصروا النبي في المدينة وأسكنوا المسلمين المهاجرين من مكة في المدينة, ويتكون الانصار من قبليتين  الاولى قبيلة الخزرج وشيخها سعد بن عبادة الانصاري , والثانية قبيلة الاوس وشيخها أسيد بن حضير , وسقيفة بني ساعدة هي ساحة مسقفة  في المدينة يجتمع فيها الناس )
روى ابن هشام : ( لما أتى الخبر الى أبي بكر وعمر , كان رسول الله في بيته لم يُفرغ من امره قد أغلق الباب دونه أهلُه) ( السيرة لابن هشام ج4 ص271)
ويعني هذا أنشغال أهل النبي وهم  بنو هاشم في تجهيز النبي لمثواه , والعباس عم النبي وعلي بن أبي طالب من بني هاشم. وقول ابن هشام ( لما أتى الخبر ) يعني به وصول خبر أجتماع الانصار في سقيفة بني ساعدة. وكان المغيرة بن شعبة  هو الذي اعلم أبابكر وعمرا بذلك فقال لهما ( ان كان لكم بالناس حاجة فأدركوهم, فتركوا رسول الله كما هو وأغلقوا الباب دونه وأسرع أبوبكر وعمر وأبوعبيدة الى سقيفة بني ساعدة)( البدء والتاريخ للمقدسي ج5 ص65). فخرج ابوبكر وعمر مسرعين يركضان نحو السقيفة ( فانطلق  أبوبكر وعمر يتقاودان ) (تاريخ الطبري ج 3 ص 203 ),وبلفظ ابن كثير ( فأنطلق أبوبكر وعمر يتعاديان ) ( السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص 491) , وقوله يتعاديان أي يتراكضان ويسبق أحدهما الآخر في سيرهما السريع نحو السقيفة.
روي النويري المتوفى 721 هجرية في كتابه نهاية الارب :
(قال عمر لأبي بكر لما أتاه خبر أجتماع القوم في السقيفة : أما علمت أن الأنصار قد أجتمعت في سقيفة بني ساعدة ( السقيفة هي مظلة يجتمع تحتها الناس) على أن يولى هذا الأمر سعد بن عبادة. وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومنكم أمير!فخرجا مسرعين نحو السقيفة وجمعا في طريقهما عددا من المهاجرين وتنازعوا بين الذهاب أو حسم الأمر بينهم دون الأنصار. ثم قرروا الذهاب.حيث قال عمر: والله لنأتينهم.) . هذه الاستعدادات والتخطيطات  حدثت والنبي مسجى ميت لم يجهز ولم يدفن بعد , لقد ترك الصحابة رسولهم ميتا وخرجوا يتنازعون على الامر ,فتأمل وفاء الصحابة للنبي! ثم أن قول عمر : والله لنأتينهم ! دليل آخر على تخطيط لهذا الامر. ولما وصلوا للسقيفة , كان الانصار مجتمعين فيها ومعهم شيخ الانصار سعد بن عبادة الانصاري وكان يومها مريضاً جالساً وكذلك كان هناك الحباب بن منذر الانصاري مع لفيف من قومه.
صاح أبو بكر في أهل السقيفة قائلا: ان العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أواسط العرب دارا ونسبا... وصاح أحد الانصار: منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش..( بتصرف عن نهاية الارب للنويري). فقام عبدالرحمن بن عوف، وتكلم فقال: يا معشر الانصار! إنكم وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعليّ. وقام المنذر بن الارقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإنَّ فيهم لرجلاً لو طلب هذا الامر لم ينازعه فيه أحد ـ‍ يعني علي بن أبي طالب ـ)( ابن سبأ للعلامة العسكري , باب السقيفة وعن تاريخ اليعقوبي المتوفي سنة  284 هجرية) (فقالت الانصار أو بعض الانصار: لا نبايع إلاّ عليّاً)( شرح ابن أبي الحديد ج 1 ص 122 حيث يروي : إن الانصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة قالت لا نبايع إلاّ علياً)(ومثله في الموفقيات ج2 ص 8  للزبير بن بكّار المتوفى 256 هجرية ). كان علي بن أبي طالب غائبا عما يجري في السقيفة فهو بجانب النبي (ص) المسجى, لم يتركه ميتاً ليخرج ينازع الناس.
بعد ذلك تعالت الاصوات في السقيفة حتى قال الحباب بن منذر يدعو قومه الأنصار: ( يا معشر الأنصار ، املكوا عليكم أمركم ، فإن الناس في ظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولا يصدرون إلا عن رأيكم . أنتم أهل العز وأولو العددوالمنعة وذوو البأس ، وإنما ينظر الناس ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم ، إن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنكم أمير ). (تاريخ الطبري ج2  حوادث سنة 11 )
فيقول عمر بن الخطاب : (يا ايها الناس هذا ابوبكر وهو ذو شيبة المسلمين فبايعوه ).
ليرد الحباب بن المنذر : ( يا معشر الأنصار ,لا تسمعوا مقالة هذا ( يقصد عمربن الخطاب) وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ، فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب( الجذيل تصغير الجذل وهو أصل الشجرة والمحكك عود ينصب في مبارك الابل !) أنا أبو شبل في عرينة الأسد ، والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة - أي فتية - . فقال عمر : إذا ، ليقتلك الله ! فرد عليه الحباب : بل إياك يقتل..(تاريخ الطبري ج2 ص 446 حوادث سنة11هجرية ، سيرة ابن هشام ج 1 ص 65) وقيل أن عمر ضرب الحباب على انفه اثناء ذلك(كنز العمال للمتقي الهندي ج 3, حول السقيفة).
وقال سعد بن عبادة شيخ الانصار لعمر بن الخطاب: (أما والله لو أن لي ما أقدر به على النهوض، لسمعتم مني في أقطارها زئيرا، يخرجك أنت وأصحابك. ولألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع، خاملا غير عزيز)(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص 10 ، تاريخ الطبري ج2 ص 459.)
وصاح أبو عبيدة عامر بن الجراح: (يا معشر الأنصار أنكم اول من نصر وآزر. فلا تكونوا أول من بدل وغير..)-( أبوعبيدة عامر بن الجراح هو أحد الثلاثة المتحالفين في السقيفة وهم : ابوبكر , عمر وأبوعبيدة ثالثهم)- وطالب بشير بن سعد الانصاري قومه من الانصار بالتخلي عن هذا الأمر لقريش ابتغاء وجه الله. والحقيقة أن بشير بن سعد كان حاسدا لشيخ الانصار سعد بن عبادة فتحزب مع الثلاثة ابوبكر وعمر وأبوعبيدة, ضد شيخ الانصار سعد بن عبادة.
وقام زيد بن ثابت (وهو من يهود المدينة  الذين أسلموا عند هجرة النبي وهومن المتحمسين لأبي بكر) ، فقال : إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصاره ; وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره وقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.) وفي أثناء ذلك الجدال تدخل قبيلة أسلم المدينة وتحرس الطرق والدروب لنصرة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة , وفي ذلك يقول  عمر بن الخطاب عندما علم بدخول قبيلة أسلم  وسيطرتها على المدينة : (ما هو إلا أن رأيت أسلم. فأيقنت بالنصر).) الكامل لابن الأثير ج 2 ص 224 ) .( ومن شيوخ قبيلة اسلم المنافق سفيان بن عوف المكنى بأبي الاعور السلمي وله دور في محاولة اغتيال النبي كما سيأتي في فصل رحيل النبي ).
تأمل أيها القارئ أن هناك تخطيطا عسكريا لتثبيت حكم أبي بكر وليس الامر كما يقول من يقول ان الخلافة تمت في انتخاب سلس, أو أن الخلافة كانت بوصية من النبي, فلو كانت بوصية من النبي لاغرقنا المؤرخون بذلك النص ولكن لاوجود لذلك النص إلى اليوم  سوى رواية عائشة التي تقول فيها أن النبي أمَرَّ أبيها (ابوبكر) على امامة الصلاة  , وقد تقدم ذكر الرواية في فصل (نظام الحكم), فلو كانت حجة الامامة في الصلاة حجة شرعية لم يكن لأبي بكر أن يقول : (هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم بايعوا), بل كان سيقول أنا أحق بالخلافة من غيري فقد كنت إمام الصلاة بأمر النبي! ولكنه لم يقل ذلك لتهافت حجة الامامة في الصلاة  وكذب تلك الدعوى . 
روى الطبري عن الكلبي :( إنّ قبيلة أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : لما رأيت أسلم أيقنت بالنصر) ( تاريخ الطبري ج3 ص 222) , ومثله روى ابن سعد في الطبقات. وقال عمر بعد ذلك : (فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى تخوَّفتُ الاختلاف فقلت لأبي بكر: أُبسط يدك لاُبايعك )( السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص 336)
ذكر الطبري مايدل على تقاسم عمر وابو بكر للخلافة :
( فقال عمر : ابسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك ؛ فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر ، فأنت أقوى لها منى . قال : وكان عمر أشد الرجلين ، قال : وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر وقال: إن لك قوتى مع قوتك .)( تاريخ الرسل والملوك للطبري ج2 ص 116)
إذا كان هناك نصا من النبي (ص) على خلافة أبي بكر , فلماذا يقول أبوبكر لعمر (بل أنت ياعمر فأنت أقوى لها مني؟ ) , قوله هذا  يدل على عدم وجود نص لخلافة أبي بكر.
 في تلك الأثناء يذهب أبو عبيدة الجراح بجانب عمر بن الخطاب ليبايعا (أبوبكر) فيسبقهما إليه بشير بن سعد الانصاري ويصفق على يد أبي بكر فيبايعه نكاية بالانصار وتخذيلاً لسعد بن عبادة , فيناديه الحباب بن المنذر قائلاً: يا بشير بن سعد عَقَقْتَ عقاق! ( يعني مافعلته هو العقوق ) أنْفَسْتَ على ابن عمك الامارة، فقال: لا واللّه ولكنّي كرهت أن اُنازع قوماً حقاً جعله اللّه لهم.  ولمّا رأت قبيلة الاوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض، وفيهم أُسيد بن حضير وكان أحد النقباء وهو من الحاسدين لسعد بن عبادة: واللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر(بتصرف عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2). أسيد بن حضير من قبيلة الاوس أما سعد بن عبادة فمن قبيلة الخزرج ولهذا يقول أسيد بن حضير: (لئن وليتها الخزرج عليكم مرة .. الخ) , لقد استفاد عمر وأبوبكر وأبوعبيدة من انقسام الانصار الى قسمين قسم لايود إيثار قبيلة الخزرج لأنه من قبيلة الاوس وقسم لايود إيثار قبيلة الاوس لأنه من الخزرج ,ومن هذا الانقسام خرج جماعة من الاوس والخزرج فتحالفوا مع أبي بكر وعمر وأبي عبيدة . ثم يأتي الامر الحاسم :
وارتفعت الأصوات واحتدم القوم في صياحهم, وعندها قال عمر لأبي بكر: أبسط يدك نبايعك , فبسط يده فبايعه المهاجرون , وبايعه الأنصار. ثم نزوا على سعد-(  سعد بن عبادة شيخ الانصار كان مريضا لايستطيع القيام ). حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: ( قتل الله سعدا بن عبادة.).. ويروى أن الناس أقبلوا من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطئون سعد بن عبادة( لان سعد كان جالسا لمرضه لايستطيع القيام). وقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه. قال عمر: اقتلوه. اقتلوه... قتله الله. ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك.. فأخذ ابنه قيس بن سعد بن عبادة  بلحية عمر ثم قال: والله لو حصصت منها شعرة مارجعت وفي فيك واضحة) ( بتصرف عن مروج الذهب للمسعودي , الإمامة والسياسة , وتاريخ اليعقوبي)
ويروي الطبري كذلك: (فوثب قيس بن سعد وأخذ بلحية عمر وقال له : يابن صهاك الجبان في الحرب والليث في الملأ والأمن ! لو حرّكت منه ( يقصد أبيه سعد ) شعرة ما رجعتَ وفي فيك واضحة ). ( تاريخ الطبري ج2 أحداث السقيفة) ( صهاك هي جدة عمر الحبشية  وكانت سيئة السمعة وكان الناس يعيرون عمر بن الخطاب بها وسيأتي ذكرها في فصل عمر) .
وحُمل سعد بن عبادة وهو مريض ، فادخل الى منزله ، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده ، وأراد عمر أن يكرهه عليها ، فأشير عليه ألا يفعل ، وانه لا يبايع حتى يقتل وانه لا يقتل حتى يقتل أهله ، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج ، وان حوربت الخزرج كان الأوس معها وفسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم ، ولا يجمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم (بتصرف عن تاريخ الطبري, وعن الكامل لابن الاثير) ,وكان المشير على أبي بكر وعلى عمر بترك سعد بن عبادة خوف الحرب هو المدعو بشير بن سعد الانصاري وهو من الحاسدين لسعد بن عبادة .

دفع عمر لابي بكر لنيل الخلافة
 وقال عمر لأبي بكر إصعد المنبر. فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة.(  صحيح البخاري ,باب فضائل الصحابة). وهكذا تمت البيعة بلا مشورة , ويؤكد عمر عدم وجود مشورة في بيعة ابي بكر , فيقول في ايام خلافته :(كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ، وإنما كانت كذلك ، إلا أن الله قد وقى شرها. فمن بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فإنه لا بيعة له ) (صحيح البخاري  ج4 ص 119, ومسند أحمد بن حنبل ج1),.وفي رواية  يقول عمر (.. فمن عاد لمثلها فأقتلوه)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 51 , الكامل لابن الاثير ج2 ص 326)
إن عمرا يقر بأنها كانت فلتة بلامشورة ,وما يقوله بعض كتابنا المعاصرين في تعريف الشورى يبدو كلاما لامعنى له , ولن تسعفهم كلماتهم أمام تلك الفرقة وذلك الصراع على كرسي الحكم, فأين حجج وبراهين الذين اوجدوا مصطلح (أهل الحل والعقد) أو مصطلح ( أهل الشورى) في كل تلك الفوضى؟  ترى أين كان باقي الصحابة أثناء السقيفة ؟ فالتمعن في قراءة احداث السقيفة يبين غياب كثير من الصحابة كالامام علي بن أبي طالب, الزبيربن العوام, المقداد, خزيمة ذو الشهادتين, ابو ذر الغفاري, عمار بن ياسر , العباس, بلال بن رباح, جابر بن عبد الله .. , أين كان كل هؤلاء عند البيعة؟ هؤلاء هم صحابة النبي أيضا فهل هم من اهل( الحل والعقد) كما يقول أصحاب مصطلح الحل والعقد ؟ ام أنهم من غير الصفوة ؟ولو تحرى الطالب في كتب التاريخ لأحصى عشرات من الصحابة المقربين لم يكونوا في سقيفة بني ساعدة عندما تمت البيعة, ليبدو أن مصطلح (اهل الحل والعقد) أكذوبة من خيال كتابنا المعاصرين  حيث نقلوا مايرون في عصرهم من صور الديمقراطية والانتخابات الحديثة فأقحموها في التاريخ بلا دليل ولابرهان, ان الشباب المتحمس يقرأ تفسيرات المزخرفين والمجملين للتاريخ , فيؤمن بنظام إسلامي في الشورى والحكم , والواقع يبين أنه نظام ( متخيل) لاوجود له , فالحقيقة هي غير ما صوره اولئك الكتاب. نعود للسؤال : أين كان علي واصحابه يوم السقيفة؟
لم يترك علي بن ابي طالب النبي مسجى ليخرج ينازع الناس على الخلافة كما فعل غيره , لقد قام بتجهيز النبي بعد وفاته ولن تفلح أمة تترك نبيها ميتا وتخرج تتنازع حول السيادة والامارة ! يقول الامام علي بخصوص تجهيزه النبي(ص) :( ولقد وليت غسله والملائكة أعواني فضجت الدار والأفنية ملأ يهبط وملأ يعرج ( يقصد بذلك افواج الملائكة التي كانت حول النبي) وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه حتى وأريناه في ضريحه فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً.)( عن كتاب نهج البلاغة)
قد يتعجب القارئ ويقول كيف يترك المسلمون نبيهم ويخرجون للنزاع على الامارة والملك, ولكن ليس من عجب أذا ما تقصى احداث قبلها , فقد ترك المسلمون نبيهم وحيدا أكثر من مرة في حياته, مرة في المسجد وهو يخطب وسمع القوم حينها أن قافلة تجارية وصلت المدينة من الشام فتركوا محمدا(ص) قائما يخطب وخرجوا نحو القافلة وانزلت الاية ( واذا رأو تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما) ( الجمعة11) , ومرة في معركة أحد وفيها هرب كثير من الصحابة وتركوا النبي ومنهم عثمان بن عفان الذي هرب لثلاثة أيام , حتى عاتبه النبي بعد عودته قائلا: (لقد ذهبت بها عريضة) (تاريخ الطبري ج2 ص 203 ,الكامل لابن الأثير ج2 ص 158، البداية والنهاية لابن كثير ج 4 ص 32)  وهرب كذلك عمر بن الخطاب وابوبكر وغيرهم وكان عمر عندما يتحدث عن معركة أحد يقول أنه هرب وصعد الجبل مثل المعزى ( وكنت اصعد الجبل كأني أروى) (تاريخ الطبري, تاريخ ابن الاثير , باب معركة أحد) . ومرة أخرى تخلى المسلمون عن النبي في معركة حنين وبقيت قلة مخلصة معه وفيهم الامام علي بن أبي طالب, وكان عمر بن الخطاب وأبوبكر من الفارين في معركة حنين كذلك, وسيأتي تفصيل ذلك ,ومرة أخرى ترك المسلمون نبيهم وخرجوا وهو على فراش الموت عندما قال ( ائتوني بكتاب ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا به من بعدي أبدا) ( كتاب صحيح البخاري , رزية يوم الخميس) فقال عمر اتركوا الرجل فقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله وفي رواية أخرى دعوه فأنه ليهجر , فليس عجيبا أن يتركوه ميتا بلا تجهيز ولا صلاة ولاتغسيل ويخرجوا لطلب الامارة.
واذن لقد تحقق الامر وبايع بعض الناس وبعض لم يبايع فمن هم اهل الشورى اذن؟  إن الذي تم لم يكن شورى وانما نزاع وسباق على السلطة تماما كما أعترف عمر بعدها حينما وصف بيعة ابي بكر بأنها كانت فلتة وقى الله شرها وأن من يعود لمثلها فجزاءه القتل!
وقد يسأل سائل فيقول: اذا كان ابوبكر وعمر وابوعبيدة قد اغتصبوا الخلافة فما القول في سعد بن عبادة الانصاري فالذي يبدو أنه كان طامعا في الخلافة أيضا, ونقول لو كان أبوبكر وعمر أوفياء للنبي لذكروا أن علياً أولى بالخلافة من غيره , وتقدم ذكر قول الانصار في السقيفة : (: لا نبايع إلاّ عليّاً)( شرح النهج لابن أبي الحديد في ج1 ص 122 حيث يروي قائلا : إن الانصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة قالت لا نبايع إلاّ علياً)(  ومثله في كتاب الموفقيات للزبير بن بكّار في ج2 ص 8). إن سعدا بن عبادة لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى : (أيها الناس إني والله ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي , ولا أبايعكم حتى يبايع علي , ولعلي لا أفعل وإن بايع) ( البحار ج30 ص 120 للمجلسي)
 لكن أبابكر وعمراً وأبا عبيدة الجراح  لم يأبهوا لذلك بل أصروا على أن تكون الخلافة بين أحد الثلاثة أبوبكر أو عمر أو أبوعبيدة ولعب الثلاثة دوراً ماهرا في تقسيم الانصار حتى نالها أبوبكر. ثم ليس من الغريب أن يطمع سعد بن عبادة والانصار بالخلافة بعدما علموا أن المهاجرين كأبي بكر وعمر بن الخطاب وعبيدة قد هيئوا أمرهم لذلك.
فيما يلي تلخيص لما حدث في السقيفة يرويه عمر بن الخطاب نفسه في خطبة ألقاها زمن خلافته :
 (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك ( اعتراف صريح )، غير أن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه, أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار  فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدرا فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ( صيغة الجمع تبين أن عمر وابابكر لم يكونا لوحدهما فمعهما مجموعة من الرجال)  فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم , فقلنا: والله لنأتينهم، قال (عمر): فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة، قال: وإذا بين أظهرهم رجل مزمل، قال قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم، فحمد الله، وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة ( لم يذكر الرجل  شيئا عن الخلافة )، قال (عمر): فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر، وقد كنت زورت في نفسي مقالة-( هذا دليل على أن عمر قد حضر مقالة في نفسه فهو قد خطط مسبقا لما سيحدث منذ أن قال ان النبي ليهجر ساعة وفاته ومنذ أن نكر وفاته بعد ذلك والان جاء وقت المقالة)- أقدمها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد، وكان هو أوقر مني، وأحلم، فلما أردت أن أتكلم قال: على رسلك، فكرهت أن أعصيه، فقام فحمد الله وأثنى عليه، فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به أو بأحسن منه، وقال: أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط دارا ونسبا، ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم( الغاية جعل الخلافة بيد احد الثلاثة والخطة واضحة كخطة مقالة عمر)، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، وإني والله ما كرهت من كلامه شيئا غير هذه الكلمة، إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر( هذه اضافة لمدح نفسه)، فلما قضى أبو بكر كلامه، قام منهم رجل( الحباب بن منذر)، فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. قال فارتفعت الأصوات وكثر اللغط، فلما أشفقت من الاختلاف، قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده، وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار، ثم نزونا على سعد، حتى قال قائلهم: قتلتم سعد.... الخ) وقد تقدم ذكر الرواية.  (تاريخ الطبري ج2 ص446) . إن أبابكر وعمرا وحزبهما أستغلوا إنشغال بني هاشم في تجهيز النبي (ص) ولو لم يكن الامر كذلك لما حدث الذي حدث.  قال الصحابي زيد بن أرقم لعبد الرحمن بن عوف واصفا ماحدث  :( يا ابن عوف لولا أن علي بن أبي طالب وغيره من بني هاشم أشتغلوا بدفن النبي وحزنهم عليه وجلسوا في مجالسهم ماطمع فيها من طمع ) ( الردة للواقدي ص 45, الفتوح لابن أعثم  ج1 ص 12).
روى الجوهري عن الصحابي البراء بن عازب قوله:
( سمعت البراء بن عازب ، يقول: لم أزل لبني هاشم محباً ، فلما قبض رسول الله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ! فكنت أتردد الى بني هاشم وهم عند النبي في الحجرة وأتفقد وجوه قريش ، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وعثمان ، وإذ قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذ قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر ! فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى! فأنكرت عقلي !! وخرجت أشتد حتى انتهيت الى بني هاشم والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ، فقال العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني!)( السقيفة للجوهري ص 48 المتوفى 323 هجرية , والكتاب في شرح ابن أبي الحديد) ويستأنف البراء بن عازب : 
( فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وحذيفة ، وعماراً ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ! فلما كان بليل ، خرجت الى المسجد ، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله بالقرآن ، فامتنعت من مكاني فخرجت الى الفضاء فضاء بني قضاعة ، وأجد نفراً يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهم ، فعرفوني وما أعرفهم ، فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر ، وحذيفة ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما أخبرتكم به ، والله ما كذبت ولا كُذبت ، وإذ القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ! ثم قال: إئتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت ، قال فانطلقنا الى أبي فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب فقال: من أنتم؟ فكلمه المقداد فقال: ما حاجتكم؟ فقال له: ما أنا بفاتح بابي وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد ؟ فقلنا: نعم ، فقال: أفيكم حذيفة ؟ فقلنا: نعم ، قال: فالقول ما قال! وبالله ما أفتح عني بابي حتى تجرى على ما هي جارية ، ولَمَا يكون بعدها شرٌّ منها ، والى الله المشتكى !) (  السقيفة للجوهري, الصفحة 48 ما بعدها) . النص يبين ان عصبة الخلافة استعملوا  التعنيف مع عامة الناس , فالرواي يقول: (لايمرون بأحد الا خبطوه), لقد انتهزوا غياب علي بن أبي طالب فحصلوا على مرادهم , وكان الدور كبيرا لقبيلة أسلم المناصرة لأبي بكر فقد نشروا رجالهم في السكك والساحات كما تقدم ,ولذلك كان رجال العصبة المعارضة لأبي بكر يتحدثون بسرية وتكتم كما ذكر البراء بن عازب , فقد وصل الامر أن يخشى الصحابي أبي بن كعب فتح باب بيته حتى يتأكد من وجود حذيفة بن اليمان المخلص للأمام علي بن أبي طالب, إن هذه العصبة القليلة لم تكن تستطيع أن تواجه الغوغاء من المؤيدين للخليفة الجديد ولم تكن قادرة على حرب قبيلة أسلم كثيرة العدد تلك التي سيطرت على المدينة وشوارعها وساحاتها .



المعارضون لأبي بكر
جمع  من الصحابة لم يبايعوا لابي بكر بالخلافة , فكانت معارضتهم دليلا على أن خلافة أبي بكر لم تكن بوصية من النبي ,ودليل آخر على أن البيعة دُبرت  بعيداً عن مشورة المسلمين , ومن الصحابة  الذين لم يوافقوا على بيعة ابي بكر:
الفضل بن العباس وهو ابن عم النبي (ص).
 لما سمع بتنصيب (أبوبكر( للخلافة قال : ( يا معشر قريش إنه ماحقت لكم الخلافة بالتمويه ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولى بها منكم) ( كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري ج1, عن تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103, شرح النهج ج1 ص 287) . إن قوله ( وصاحبنا أولى بها منكم) , أنما عنى به عليا بن أبي طالب.
عتبة بن أبي لهب
 عند سماعه بخبر خلافة ابي بكر قال عتبة بن أبي لهب شعراً: 
ماكنت أحسب هذا الامر منصرفا عن هاشم ثم منها عن ابي الحسن
عن أول الناس أيمانا وسابقة وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن (  شرح النهج ج6 قصة السقيفة). يعني عتبة في قصيدته الامام علي بن أبي طالب فهو ابو الحسن.
سلمان الفارسي
 قال سلمان بعد تنصيب الخليفة الاول (.. اخطأتم أهل بيت نبيكم, لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم أثنان ولاكلتموها رغدا) ( كتاب السقيفة للجوهري). وكذلك قال ( لوبايعوا عليا لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم) ( عبد الله بن سبأ للعسكري ج1, عن أنساب الاشراف للبلاذري ج 1 ص 591)
أبوذر الغفاري جندب بن جنادة
  قال ابو ذر في عهد عثمان بن عفان (وعلي بن أبي طالب وصيّ محمّد ووارث علمه. أيّتها الاُمّة المتحيرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم اللّه، وأَخَّرْتُم من أخّر اللّه، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيّكم لاكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال وليُّ اللّه ولا طاش سهمٌ من فرائض اللّه، ولا اختلف اثنان في حكم اللّه إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب اللّه وسُنَّة نبيّه. فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ,وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون)( عبد الله بن سبأ للعسكري ج1, عن تاريخ اليعقوبي ج1 ص 173.) وقال كذلك (لوجعلتم هذا الامر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم أثنان) ( السقيفة وفدك للجوهري في شرح النهج ج 6)
خالد بن سعيد الاموي
 خالد بن سعيد بن العاص بن اُمية بن عبد شمس، أسلم قديماً فكان ثالثاً أو رابعاً وقيل كان خامساً، وقال ابن قتيبة  في المعارف ص 128: (أسلم قبل إسلام أبي بكر). كان عاملاً لرسول اللّه (ص) على صنعاء اليمن (فلمّا مات رسول اللّه رجع هو وأخواه أبان وعمر عن عِمالتهم، فقال أبو بكر: ما لكم رجعتم عن عمالتكم؟ ما أحد أحق بالعمل من عُمّال رسول اللّه (ص)، ارجعوا إلى أعمالكم. فقالوا: نحن بنو اُحيحة لا نعمل لاحد بعد رسول اللّه)( الاستيعاب لابن عبد البر ج 1 ص 398 ترجمة خالد, أسد الغابة لابن الاثير ج2 ص 406) , وذهب خالد الى علي بن أبي طالب(وأتى عليّاً، فقال: هَلُمَّ اُبايعك فواللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك)( ابن سبأ للعلامة العسكري ج1, وعن تاريخ اليعقوبي ج2 ص105 , (فلما بايع بنو هاشم أبا بكر بايعه خالد)( اُسد الغابة لابن الاثير ج 2 ص 82). تأمل أن الرجل كان في اليمن وقت وفاة النبي ,لكنه كان موقناً بأن الخلافة لعلي بن ابي طالب وليست لغيره , وهذا دليل من أدلة على معرفة المسلمين قبل رحيل النبي بوقت طويل أن علياً هو الخليفة على الناس , فالنبي (ص) كان قد بين ذلك في مواقف كثيرة بخطبه وأحاديثه, ولم يكن ليترك  أمته بلا خليفة ولاوصية.
ابو سفيان صخر بن حرب
 لما أتى خبر ولاية أبي بكر, طاف أبوسفيان ينشد :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ‌ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي
 فما الامر إلاّ فيكم وإليكم ‌وليس لها إلاّ أبو حسن عليّ        
( كتاب ابن سبأ للعلامة العسكري , وعن العقد الفريد ج3 ص 62, السقيفة للجوهري في شرح ابن ابي الحديد ج3 ص120). تيم هي عشيرة الخليفة الاول وعدي هي عشيرة عمر بن الخطاب , فهو يعني أن الأمر لبني هاشم فهم أولى بها من أبي بكر وعمر.
 إن أبوسفيان بن حرب قائد جيوش قريش في حروبها للنبي (ص) لم ينسى خسارته بانتصار محمد(ص) عليه, فكيف ينتصر لعلي بن أبي طالب كاسر خياشيم أئمة قريش وأبطالها ؟ إن الميل مع علي  دليل واضح على أحقية علي بالخلافة على غيره من المسلمين ,وعلم أبوسفيان كما علم غيره أن هذه الحقيقة قد لمح وصرح النبي بها في أكثر من موضع قبل رحيله ولهذا جاء أبوسفيان يطلب أولوية علي بن أبي طالب على غيره ليس حباً  في علي, ولكن طمعاً بما في يد الخليفة الاول ابوبكر وتهديدا له بنفود عشيرة بني أمية وكثرتهم . إن أباسفيان طمع أن يجد في علي بن أبي طالب عهداً جديداُ للحصول على ما افتقده في عهد النبي محمد (ص) , و لما رأى عزوف علي عنه أتجه لأبي بكر واستعمل أسلوبا ماكرا لنيل وجاهته من جديد!
 جاء أبوسفيان شيخ قريش يتوعد أبابكر: ( ما بال هذا الامر في أقل حي من قريش؟! والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا... والله إني لأرى عجاجة لايطفؤها إلا دم ! يا آل عبد مناف فيمَ أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان ، أين الأذلان عليٌّ والعباس؟! ) ( تاريخ الطبري ج2 ص449)
ولهذا يروى  أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر بعد سماعه بقول أبي سفيان مايلي:
(فقال عمر لابي بكر: إنّ هذا ( أبوسفيان) قد قدم وهو فاعلٌ شرّاً، وقد كان النبي يستألفه على الاسلام فدع له ما بيده من الصدقة، ففعل، فرضي أبو سفيان وبايعه)(كتاب ابن سبأ للعلامة العسكري ج1 , العقد الفريد ج 3 ص 62). وهكذا وهب أبوبكر أموال صدقات المسلمين لابي سفيان فرضي أبوسفيان وبايع الخليفة الجديد . ثم يعين أبوبكر يزيد بن أبوسفيان على بلاد الشام حاكماً فيقول له أبوسفيان : (وصلته رحم ) , ويعين ابنه الاخر عنبسة بن أبي سفيان واليا على الطائف(ابن سبأ للعلامة العسكري ج1 , وعن تاريخ الطبري ج 2 , ص 449). وفي عهد الخليفة الثاني يعين عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان حاكما على الشام بعد وفاة  أخيه يزيد بن أبي سفيان . كان الاتفاق هو ترضية أبي سفيان لأسكاته فتركوا ما في يديه من الصدقة وعينوا أولاده في مناصب مهمة في الدول وتلك كانت بداية تغلغل بنو أمية في الحكم.


سعد بن عبادة الخزرجي الانصاري
امتنع سعد بن عبادة عن بيعة أبابكر :( فكان لا يصلي بصلاتهم ، ولا يجمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم.) ( الكامل لابن الاثير , تاريخ الطبري,  الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج1 ص168.)
لما كان سعد بن عبادة شيخا للانصار لم يجسر ابوبكر ولا عمر وقتذاك بالقضاء عليه ,لأن قتله يعني مواجهة  قبيلته أيضا, روى الطبري : (وأراد عمر أن يكرهه (يكره سعد بن عبادة على البيعة) عليها ، فأشير عليه ألا يفعل ، وانه لا يبايع حتى يقتل وانه لا يقتل حتى يقتل أهله ، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج ، وان حوربت الخزرج كان الأوس معه) , أي أن قتل سعد بن عبادة سيؤدي الى تحالف الخزرج والاوس ضد قبيلة قريش وباقي المسلمين وهذا لن يخدم الدولة وحاكمها. روى ابن الاثير
 ( أن ابوبكر بعث إلى سعد بن عبادة : أقبلْ فبايع ؛ فقد بايع الناس . فقال : لا والله ، لا أبايعكم حتى أقاتلكم بمن معي . فقال بشير بن سعد : يا خليفة رسول الله ، إنه قد أبى ولجَّ ، فليس يبايعكم حتى يقتل ، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته ، فلا تحركوه ما استقام لكم الأمر ، وإنما هو رجل وحده ما ترك . فتركه أبو بكر. ويروي ابن الاثير في تاريخه قول سعد بن عبادة مهددا ابابكر وعمرا ورافضا بيعتهم قوله: ( لا والله ، حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم مع من معي من أهلي وعشيرتي) ( الكامل لابن الأثير ج2 ، حوادث سنة 11 ) وهكذا عاش سعد بعيدا عن السياسة آمنا أن لا يقربه أحد لقوته ومنعته فهو سيد من الانصار . ولكن هل ترى سيُترك بلا عقاب؟
روى الطبري وابن سعد فيه  : (كان  نقيبا سيدا جوادا,. لما قدم النبي (ص) المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره ، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله  في بيوت أزواجه . كان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم.( اهل الصفة هم فقراء المسلمين في المدينة الذين ليس لهم قوت يومهم) . وناداه النبي في غزوة بني قريظة عندما خاطب الانصار بخير الانصار عندما سأل عنه قائلا : أين خيركم . فجعله خير الانصار) ( باختصار عن تاريخ  الطبري)
وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: (كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله في المواطن كلها، فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب )(أسد الغابة لابن الاثير ج4 ص 20، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 106. )
بقي سعد مستقلا برأيه ولم يبايع ابابكر حتى عهد الخليفة الثاني عمر وكان بينهما جدال كما  تقدم عندما قال عمر: اقتلوه اقتلوه قتل الله سعدا بن عبادة ! روى ابن سعد أن عمرا أيام خلافته  لقي سعد بن عبادة  فقال له:
(إيه يا سعد ! فقال : إيه يا عمر ! فقال عمر : أنت صاحب ما أنت صاحبه ؟ قال : نعم . وقد أفضى إليك هذا الأمر ، وكان صاحبك -والله- أحب إلينا منك ، وقد أصبحت كارها لجوارك . قال : من كره ذلك تحول عنه . فلم يلبث إلا قليلا حتى انتقل إلى الشام ، فمات بحوران) (  طبقات ابن سعد ج2 ص 145 ، تاريخ ابن عساكر ج6 ص 90 ترجمة سعد بن عبادة. كنز العمال للمتقي الهندي ج3 ص134)
كانت نهاية سعد اغتيالا! : (أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلاً، وقال: أُدعُهُ إلى البيعة واحتل له فإن أبى فاستعن اللّه عليه، فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحوارين( وهي من قرى حلب) , فرماه بسهم فقتله)( باختصار عن عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري , أنساب البلاذري ج1 ص 589, العقد الفريد ج3 ص64) . قال المسعودي: (وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام فقتل هناك سنة 15 ه‍‍جرية) ( مروج الذهب للمسعودي ج1 ص414)
وانتشر بين الناس أن مقتل ابن عبادة كان على يدالجن , وقُيدت جريمة القتل ضد مجهول, فمن يستطيع الاقتصاص من الجن ؟
أورد الذهبي وغيره أن الجن قتلت ابن عبادة : (توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر ، فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قائلا من بئر يقول
 قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة  ورميناه بسهمين فلـــم نخط فؤاده, فذعر الغلمان ، فحفظ ذلك اليوم ، فوجدوه اليوم الذي مات فيه.) ( سير أعلام النبلاء للذهبي , ترجمة سعد ج 1ص278) ويروى أن قاتله هو رجل الاغتيالات محمد بن مسلمة وهو رجل عمر القوي , وستأتي سيرته في فصل (دور اليهود).


لمزيد من قراءة راجع
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/blog-post_1145.html

No comments:

Post a Comment