عمر
يهيأ معاوية بن أبي سفيان لترسيخ أسس مملكة بني أمية
أشتهر
عمر بشدته وقسوته على الناس وعلى ولاته وشواهد التاريخ لاتحصى عرفها القاصي
والداني .بعد موت أبي عبيدة ومعاذ صار معاوية بن أبي سفيان ابن عمر المدلل , فكان
لاينهره ولايأمره ولاينهاه , وكانت معاملة
الخليفة عمر لمعاوية تختلف أختلافا كبيرا عن معاملة باقي ولاته وللصحابة
الاخرين كما فيما يلي:
(ذُكر معاوية عند عمر بن الخطّاب فقال دعوا فتي قريش وابن سيّدها ; إنّه لمن يضحك فى الغضب
، ولا ينال منه إلاّ علي الرضا ، ومن لا
يؤخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه) ( البداية والنهاية لابن كثير المدشقي ج8 ص
124) . إن عمر طلب مرارا من النبي (ص) أن يقتل أبوسفيان ولو غدراً ,لكنه الان
يسميه سيد قريش ويسمي معاوية ابن سيد قريش, ونرجح أن سبب تصرف عمر مع معاوية
باللين والتبجيل يعود الى عقدة عمر بن الخطاب الطبقية , فقد مر ذكر نسبه وأصله
وضآلة عشيرته في قريش حينما كان أبوسفيان سيد مكة وغنيها, فلم يستطع عمر كسر تلك
العقدة مع أبي سفيان أو مع ابنه معاوية من بعده.
لقد وصل الامر بعمر أن يسمي معاوية كسرى العرب !
( قال عمر إذ دخل الشام ورأى
معاوية : هذا كسرى العرب) ( الاستيعاب ج3 ترجمة معاوية, لابن عبد البر) وروى
الطبري ( قال عمر بن الخطاب : تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية) ( تاريخ
الطبري ج3 ص224, أحداث سنة 60)!
(
خرج عمر بن الخطّاب إلي الشام ،
فرأى معاوية فى موكب يتلقّاه ، وراح إليه فى
موكب ، فقال له عمر : يا معاوية ! تروح فى موكب وتغدو فى مثله ، وبلغنى
أنّك تصبح فى منزلك وذوو الحاجات
ببابك ! قال : يا أمير المؤمنين إنّ
العدوّ بها قريب منّا ولهم عيون وجواسيس ،
فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا
للإسلام عزّاً ، فقال له عمر : إنّ هذا لَكيد رجل
لبيب أو خدعة رجل أريب) ( تاريخ الطبري ج3 ص224 أحداث سنة ستين) وفي رواية
الذهبي يقول عمر لمعاوية (، فقال معاوية يا أمير المؤمنين مُرنى بما شئت
أصِر إليه ، قال : ويحك ! ما
ناظرتك فى أمر أعيب عليك فيه إلاّ تركتنى ما أدرى آمرك
أم أنهاك!)( سير أعلام النبلاء للذهبي , ترجمة معاوية)
ويروي
الذهبي كذلك: (لمّا
قدم عمر الشام ، تلقّاه معاوية فى موكب عظيم
وهيئة ، فلمّا دنا منه ،
قال : أنت صاحب الموكب العظيم ؟ قال : نعم . قال : مع ما
بلغنى عنك من طول وقوف ذوى الحاجات ببابك ؟ قال : نعم . قال :
ولِمَ تفعل ذلك ؟ قال : نحن
بأرض جواسيس العدوّ بها كثير ، فيجب أن نُظهر من عزَّ
السلطان ما يُرهبهم ، فإن نهيتنى انتهيت ، قال : يا معاوية ! ما
أسألك عن شىء إلاّ تركتنى فى
مثل رواجِب الضَّرِس .لئن
كان ما قلت حقّاً , إنّه لرأى أريب ، وإن
كان باطلا فإنّه لخدعة أديب . قال
: فمُرنى . قال : لا آمرك ولا أنهاك). ( سير أعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاوية).
تأمل قول عمر
لمعاوية : لاآمرك ولا أنهاك! فكأن معاوية صار مستقلاً عن أوامر الخليفة. أستطاع
معاوية بدهاءه ومكره من قهر تسلط عمر ونقول إن لعقدة النقص الطبقية دور في ذلك
فكان عمر يرى أن معاوية أفضل منه لأنه ابن سيد قريش وكان معاوية حتما يشعر بذلك
فاستغل تلك العقدة وفاز بتطويع عمر وتليينه.
وعن
أسلم مولى
عمر قال: (قدم
علينا معاوية،
وهو أبيض
نص وباص، أبض
الناس وأجملهم،
فخرج إلى
الحج مع
عمر، فكان
عمر ينظر
إليه فيعجب
منه، ثم يضع
إصبعه على
متن معاوية،
ثم يرفعها
عن مثل
الشراك، فيقول: بخ
بخ نحن
إذا خير الناس،
أن جمع
لنا خير
الدنيا والآخرة)
(البداية
والنهاية ج6 ص122 لابن كثير الدمشقي)
كان عمر معاوية
عشرين عاما لما صار والي الشام في عهد عمر , فسمع عمر أن الناس يقولون : ولى حدث
السن , فقال عمر : (تلومونني في ولايته وأنا سمعت رسول الله يقول فيه : اللهم
أجعله هاديا مهديا وأهدي به)( النص عن
نظريات الخليفتين للعلامة الطائي ونقله عن التاريخ الكبير للبخاري ج5 ص
240, طبقات ابن سعد ج7 ص 418) . هذه الرواية مروية عن عمر بن الخطاب نفسه ولاندري
كيف يدعو النبي (ص) هكذا دعوة ويسمي معاوية بالهادي المهدي بينما التاريخ يحدثنا
أن معاوية صار في عهده سفاح المسلمين كما سيأتي في فصل ( الملك معاوية) , لقد جعل
المحرفون خاتم الانبياء كذابا بقولهم ذلك . لقد سعى عمر منذ البداية على تولية بني
أمية بلاد الشام ففي عهد الخليفة الاول كان دأب عمر هو اقناع ابابكر بتولية بني أمية لبلاد الشام وتم له ذلك.
الرواية الاتية تبين تخطيط عمر للقضاء على خصومه وتقريب بني أمية : (أن
خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله (ص)تربص ببيعته لأبى بكر شهرين
ولقى على بن ابى طالب وعثمان بن عفان وقال يا بنى عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم
يليه غيركم, فأما أبو بكر فلم يحفل بها واما عمر فاضطغنها عليه, فلما بعث أبو بكر
خالد بن سعيد أميرا على ربع من ارباع الشام وكان أول من استعمل عليها فجعل عمر
يقول أتؤمره وقد قال ما قال فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وولى يزيد بن أبى سفيان)( الاستيعاب لابن
عبد البر , ج3 ص 975, باب سيرة أبوبكر)
لقد
مهد عمربن الخطاب لبني أمية تميهدا , فقد أعطى ولاية الشام لمعاوية بن أبي سفيان
وسن معاوية حينها أقل من عشرين سنة على قول بعض الروايات , وقبل ذلك كان أخو
معاوية على الشام وهو يزيد بن أبي سفيان ,وولى عمر كذلك الوليد بن عقبة بن أبي
معيط صدقات بني تغلب وقربه, وولى عبد الله بن أبي سرح وهو أخو عثمان من
الرضاعة صعيد مصر , وجعل المغيرة بن شعبة الصديق الحميم لمعاوية
أميرا على الكوفة . وولى عمرو بن العاص الصديق القريب لمعاوية ولاية فلسطين والاردن بعد أن عزل
القائد شرحبيل بن حسنة فاتح فلسطين والاردن بلا سبب. وكان والي الطائف في
عهد عمر هو عنبسة بن ابي سفيان الاخ الاخر لمعاوية.
تقدم
في فصل السقيفة أن اباسفيان كان من المعارضين لخلافة ابوبكر و جاء الى علي بن أبي
طالب معترضا على خلافة ابوبكر , وعندها استرضى ابوبكر اباسفيان بالمناصب
لاسكاته ,وعلى ذلك النهج مشى عمر بن الخطاب.
الرواية الاتية ترينا ترضية عمر بن الخطاب لابي
سفيان وكأن ابوسفيان هو صاحب الامر وليس عمر, وفيها يُعزي عمر أباسفيان بوفاة أبنه
يزيد حاكم الشام : ( دخل أبوسفيان على عمر
بن الخطاب فعزاه عمر بابنه يزيد، فقال: آجرك الله في ابنك يا أبا سفيان. فقال: أي
بني يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يزيد. قال أبو سفيان: فمن بعثت على عمله؟ قال
عمر: معاوية أخاه، وقال عمر: ابنان مصلحان، وإنه لا يحل لنا أن ننزع مصلحا )(
نظريات الخليفتين للعلامة الطائي و عن كنز العمال ج13 ص 607, مختصر تاريخ دمشق
لابن منظور ج7 ص 329 ). وهكذا استحكم بني أمية تدريجيا في بناء الدولة في عهد
ابوبكر وعمر فلما جاء عهد عثمان صارت لهم.
هذه المودة والتحابب بين أبي سفيان وعمر تذكرنا
بمقولة عمر المشهورة( دعني يارسول الله اضرب عنقه ) فقد قالها عمر في عهد النبي محمد(ص) قبل فتح مكة, وكان وقتها يريد
ضرب عنق أبي سفيان حيث يقول عمر :( أبو سفيان عدوا الله، وقد أمكن الله منه بغير
عهد ولا عقد، فدعني يا رسول الله أضرب عنقه)(عن الغدير للعلامة الاميني ونقله عن
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج11 ص 43) وهي من بطولات عمر التي تظهر صرعاته الفارغة, فسبحان الذي جمعهما
في عهده على التوادد والتحابب وتقاسم المناصب.
إن
القائلين بفساد معاوية وعلانية تحريفه للدين عليهم أن يتذكروا أن من مهد له وهيأ
له سبل الملك والسلطان هو الخليفة الثاني عمر , فليراجعوا ما دونه المؤرخون .
دور
الخليفة الاول أبوبكر والثاني عمر في تهيئة حكم بني أمية
كان
أختطاف السلطة من الامام علي تحريفاً
كبيراً في أهم عمود من أعمدة الدولة ألا وهو نظام الحكم. ولم يغفل أبوسفيان بن حرب
العدو الاول للنبي محمد (ص) عن ذلك , فأقتنص فرصته ليهدد الخليفة الاول أبابكر
بقوله أنه سيملأها عليهم خيلاً ورجلاً (راجع فصل السقيفة), لقد استطاع أبوسفيان أن
يماطل أبابكر فأغدق الخليفة أبوبكر
العطايا على أبي سفيان, ولأرضاءه واسكاته عين ابنه عنبسة واليا على الطائف , ثم
يهب الخليفة الاول بلاد الشام ليزيد بن أبي سفيان ويجعله حاكما عليها, وعند وفاة
يزيد بن أبي سفيان يعين الخليفة عمر أخا
يزيد بن أبي سفيان حاكما على الشام وهو معاوية بن أبي سفيان الاموي الذي صار ملكاً
غير متوج على بلاد الشام ينتظر الايام ليعلن دولة بني أمية هناك, وتم له ذلك.
كان
لأبي بكر ولعمر بالذات الفضل الاول لتقديم بني أمية على غيرهم , وقيام دولة بني
أمية لم يكن تخطيط أيام وأشهر بل كان تخطيطا بعيداً تعود بداياته الى أواخر أيام
حكم الخليفة الاول, ونذكر كيف أن عثمان هو الذي كتب أسم عمر في وصية أبي بكر فرد عمر ذلك الجميل بأعطاء
الخلافة لعثمان بن عفان الاموي وصنع عملية الشورى المزيفة . في رسالة رد طويلة للملك
الاموي معاوية يذكر فيها فضل أبي بكر وعمر
على تمهيد حكم بني أمية ,وكانت تلك الرسالة جواباً على رسالة من محمد بن أبي بكر
ابن الخليفة الاول, وفي الرسالة يتبين دور الخليفة الاول والثاني في التمهيد لدولة
أمية.
كتب
معاوية:
(
كان أبوك ( الخليفة الاول ابوبكر) وفاروقه ( يعني به عمر ) أول من أبتزه حقه (
الضمير يعود على علي بن أبي طالب), وخالفه على أمره, على ذلك اتفقا واتسقا. ثم
أنهما دعواه لبيعتهما فأبطأ عنهما , وتلكأ عليهما , وأرادا به العظيم ( يعني
بالعظيم هنا التهديد بالقتل ومر بنا شيئا من هذا في فصل السقيفة). ثم أنه بايع
لهما وسلم لهما , وأقاما لايشركانه في أمرهما ولايطلعانه على سرهما حتى قبضهما
الله اليه.) ثم يكمل الملك معاوية في رسالته معاتباً على محمد بن أبي بكر فيقول
(أبوك
مهد مهاده وبنى لملكه وساده ( يعني أن مافعل أبوك هو الذي مهد لنا قيام هذه الدولة
فلاتعتب علينا بأنفرادنا بالسلطة وأعلاننا الملكية الوراثية)، فإن يكن ما نحن فيه
صوابا، فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك (يعني بأبوك الخليفة الاول
ابوبكر) من قبل، ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك
به من قبلنا، فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك، والسلام على من أناب)(
مروج الذهب للمسعودي ج3 ص 11 , باب رسائل
معاوية). معاوية الاموي هنا يُذَّكر محمد بن الخليفة الاول بما فعل أبوه ويقول له
أن أبيك هو الذي أول من أبتدع فانتحل الخلافة واغتصب الامارة من وصي النبي علي بن
أبي طالب , فلاتعيب علينا حربنا لعلي فأننا على سنة أبيك في حرب آل محمد. وقد ينبري
من يقول أن هذه الرواية موضوعة لايؤخذ بها, لكن وقائع التاريخ التي مرت تظهر
مصداقية الرواية فهي تلخص كل الوقائع التي
حدثت في عهد الخليفة الاول والثاني وتبين أنهما حقا من مهد مهاد دولة بني أمية .
ليس
من العجيب أن عمر بن الخطاب كان يعلم تماما من هم بني أمية ويعلم مواقفهم من النبي محمد , فقد اسلم ابو سفيان ومعاوية بعد
فتح مكة وكان يسمون بالطلقاء الذين اطلقهم
النبي ,. وفرَّق الان الكريم بين
المسلمين في الدرجات ( لا يستوي منكم من
انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد الفتح وقاتلوا)(
الحديد10),لكن عمر فضل طلقاء بني أمية على باقي المسلمين مع كامل علمه بمواقفهم,
لقد كان أبو سفيان وغيره من الطلقاء من أول المستفيدين أجتماعياً من تشريع عمر
القاضي بتعطيل آية المؤلفة قلوبهم كما مر بنا. لنقرأ التاريخ : (عن المغيرة بن
شعبة أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب يوما : يا مغيرة هل أبصرت بعينك العوراء منذ
اصيبت؟ قلت لا. قال: أما والله ليعورون بنو امية الاسلام كما أعورت عينك هذه.ثم
ليعمينه حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء)( شرح النهج لابن أبي الحديد , وعن
الموفقيات لابن بكار). مهما قيل عن سند الرواية هذه لكنها ترينا موقف عمر كما بينته الاحداث فهو يعرف بفساد بني أمية ,
وتصرفه وسلوكه وابتداعاته الغريبة عن الدين ترينا أنه غير آبه بما سيكون حال
الاسلام وحال الامة من بعده ,واذن ليُخرب بنو أمية هذا الدين ! روي أن ابن عباس
سأل الخليفة عمر عن رأيه بعثمان بن عفان فقال عمر: (أوه ثلاث مرات، والله لئن كان
الأمر إليه ليحملن بني أبي معيْط على رقاب الناس، ووالله لئن فعل لَيَنْهَضُنّ
إليه فلَيَقْتُلُنَه، واللّه لئن فعل ليفْعَلَن، والله لئن فعَلَ ليفْعَلن)( تاريخ
المدينة لابن شبة ص 311). تأمل توقعات عمر وفراسته فهو يدري أن عثمان بن عفان عند
توليه الخلافة سيحمل قومه (بني أبي معيط) على رقاب الناس. إذن لماذا ترك عمر الأمر
لعثمان ؟ تخطيط بعيد ناله بنو أمية بعد ترقب وانتظار.
لمزيد من قراءة راجع
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/5.html
No comments:
Post a Comment