Monday, October 6, 2014

حروب الردة




حجة حروب الردة لتثبيت حكم ابابكر
خلط المؤرخون عن عمد وربما خوفاً من السلطات بين حروب تثبيت حكم أبي بكر وبين حروب ردة بعض القبائل , وأطلقوا على تلك الحروب التي حصلت في الاشهر الاولى لتولي أبوبكر الخلافة بحروب الردة. ظهر رجلان وامرأة أدعوا النبوة وهم مسيلمة الكذاب في منطقة اليمامة , وسجاح بنت الحارث التميمية  تزوجت بعد ذلك من مسيلمة الكذاب , ورجل ثالث اسمه الاسود العنسي ظهر في اليمن وقتل عامل النبي (ص) وسيطر على صنعاء , ثم قُتل الاسود العنسي في أيام النبي فجاء خبر مقتله والنبي (ص) في أيامه الاخيرة . ويورد المؤرخون رجالا  آخرين يقولون بأنهم ادعوا النبوة كذلك, منهم  طلحة بن خويلد الاسدي 
(وكان يعدل فيما يقولون بألف فارس ، وهو الذي ادعى النبوة ، فاتبعه بنو أسد ، وأتاه عيينة بن حصن في سبع مائة من فزارة فصار معه) (أنساب الأشراف ج 11 ص 157 للبلاذري . عندما رأى طلحة بن خويلد الاسدي   قدوم جيش الخليفة هرب الى الشام ثم عاد تائبا أيام الخليفة الثاني عمر  حتى أنه بعد توبته تجنَّد في جيش المسلمين واشترك في حرب نهاوند ضد الفرس وقتل فيها مما يثير الشك في قصة أدعاءه للنبوة فهو لم يكن متنبئأ ولم يبشر بدين جديد بل كان متمردا على سلطة الخليفة أبي بكر.(  راجع سيرة طلحة بن خويلد في الكامل لابن الاثير ج 2 ص 345, الاصابة للعسقلاني ج 3 ص 542) ومثل طليحة هناك رجل آخر تعاون مع طليحة الاسدي أسمه عيينة الفرازي شهَّرت كتب التاريخ به وقالت أنه مرتد لتعاونًه مع طليحة الاسدي ثم عاد تائبا هو الاخر ليموت مسلمأ.( أسد الغابة لابن الاثير ج 4  ص 33) . المتنبأة سجاح هي الاخرى تابت بعد ادعائها النبوة وماتت مسلمة في مدينة البصرة (  سيرة سجاح وترجمتها في  تاريخ الطبري ج3 ص 236. الاصابة للعسقلاني ج7 ص 723, البدء والتاريخ للمقدسي ج5 , ص 194).
بعد موت النبي (ص) بشهرين قرر طليحة الاسدي غزو المدينة والسيطرة عليها  وكان معه أكثر من عشرين ألف مقاتل ,وتم القضاء على تمرده بمدة يسيرة ولكن كتب التاريخ لاتفصل في ذلك ولاندري كيف تم القضاء عليه وهو بتلك العدة والعدد ويروي الطبري أن الخليفة أبابكر كان قائد جيش المسلمين في مطاردة طليحة وقواته وتم القضاء عليهم بلا تفصيل ولاذكر لحوادث القتال ! والملفت للمحقق هو أن الخليفة أبابكر لم يكن فارساً مقاتلاً طوال حياته و في الفصل القادم نتف من مواقفه في الحروب أيام النبي (ص) , و غلب عليه في أيام الحروب تلك الفر والانسحاب ولم يخرج لمبارزة طوال حياته, فكيف يصبح القائد العسكري المهاجم لقوات طليحة الاسدي ؟ إن الابهام في الروايات وعدم ذكر التفاصيل يبين وجود حقائق  بحاجة الى تحقيق ودراسة.
 لم ينتحل منصب النبوة من هؤلاء سوى مسيلمة الكذاب وسجاح التي تابت والاسود العنسي الذي تم القضاء على حركته بمقتله أيام حياة النبي (ص)  , لكن هناك حروب ومقاتل أخرى حدثت في أول حكم أبي بكر, كان القائمون بها مسلمين وأصر كتبة التاريخ على تسميتهم بالمرتدين عن الدين. فيما يلي روايات من حروب حكومة الخليفة الاول تلك الحروب التي سمتها دولة الخليفة بحروب الردة, من قراءة الروايات يتبين أن تلك الحروب كانت لتثبيت حكم الخليفة وليس لها علاقة بردة الناس عن الدين!


حروب كندة
يذهب عامل أبوبكر على حضرموت وهو زياد بن لبيد الانصاري ( من المهاجمين على بيت فاطمة كما تقدم ذكره) ليجمع الزكاة والصدقة فيجد الناس قد امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة الاول  :
 ( وافترق القوم فرقتين, فرقة أقاموا على دين الاسلام, فلم يرجعوا وعزموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وفرقة عزموا على منع الزكاة والعصيان.) ( الردة ص 169  للواقدي المتوفى  207 هجرية, كتاب الفتوح لابن أعثم ) ,وهذا يدل على بقاء الناس على ولائهم ودينهم لكنهم أمتنعوا فقط عن دفع الزكاة للخليفة ,وسبب ذلك عدم ايمانهم بشرعية الخليفة في الحكم ,لأن الزكاة مثل الضريبة يدفعها المواطن للدولة فأذا كان لايؤمن بسلطة الدولة فأنه يمتنع عن دفع الضريبة , يروي الواقدي :
( فجعل قوم يعطونه (زياد بن لبيد)-- الزكاة طائعين, وقوم يعطونه إياها كارهين, وزياد بن لبيد يجمع الصدقات ولايريهم من نفسه إلا الصرامة, غير أنه أخذ يوما من الايام ناقة من إبل الصدقة فوسمها وسرحها مع الإبل التي يريد أن يوجه بها إلى أبي بكر, وكانت هذه الناقة لفتى من كندة يقال له زيد بن معاوية القشيري, فأقبل إلى رجل من سادات كندة يقال له حارثة بن سراقة, فقال له : ياابن عم , إن زياد بن لبيد قد أخذ ناقة لي فوسمها وجعلها في إبل الصدقة, وأنا مشغوف بها, فإن رأيت أن تكلمه فيها فلعله أن يطلقها ويأخذ غيرها من إبلي , فأني لست أمنع عليه. قال : فأقبل حارثة بن سراقة الى زياد بن لبيد ( عامل الخليفة الاول ) وقال له : ارأيت أن ترد ناقة هذا الفتى عليه وتأخذ غيرها فعلت منعماً. فقال له زياد : آنها قد دخلت في حق الله , وقد وضع عليها ميسم الصدقة ولا أحب أن آخذ غيرها! فغضب حارثة بن سراقة من ذلك, ثم قال : أطلقها وأنت كريم , وإلا أطلقها وانت لئيم. فغضب زياد من ذلك ثم قال : لا أطلقها حتى أنظر من يحول بيني وبينها أو يمنعها. فتبسم حارثة وقال:
 يمنعها شيخ بخديه الشيب ملمع كما يُلمع الثوب
 ماض على الريب إذا خيف الريب ما إن يبالي العيب وقت العيب.
ثم أقبل حارثة بن سراقة الى إبل الصدقة فاخرج الناقة بعينها ثم قال لصاحبها : خذ ناقتك إليك فأن كلمك أحد فأخطم أنفه بالسيف.
نحن إنما أطعنا رسول الله إذ كان حياً, ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه, وأما ابن أبي قحافة ( أبوبكر), فماله طاعة في رقابنا ولابيعة.ثم  أنشأ حارثة يقول:
أطعنا رسول الله إذ كان وسطنا فيا عجبا ممن يُطيعُ أبابكر
ليورثه بكراً إذا كان بعده وتلك وبيت الله قاصمة الظهر
وإن أُناسا يأخذون زكاتكم أقلًّ وربِّ البيت عندي من الذًّرِّ
فياقوم لاتعطوا اللئام مقادة وقوموا وإن كان المقام على الجمر
وما لبني تيم بن مرة إمرةُ علينا ولاتلك القبائل من فهر
لأن رسول الله أوجب طاعة وأولى بما استولى عليهم من الأمر) ( الردة ص 172 للواقدي , شرح نهج البلاغة ج1)( وفي تاريخ الطبري في باب ردة حضرموت يروي الطبري أن حارثا بن سراقة لما رأى تعنت زياد بن لبيد وعدم رده للناقة قال له غاضباً  : (إذا أنت يهودي!) وتقدم ذكر أن زيادا بن لبيد البياضي من بني زريق, وبنو زريق فيهم يهود وليس بعيداً أن يكون زياد من اليهود المتأسلمين لكن كتب التاريخ لاتسعفنا بذلك سوى من نتف يسيرة منها هذا النتفة .
رواية الواقدي  أعلاه تبين أن الناس لم يرتدوا عن الاسلام وحتى الذين أمتنعوا عن الزكاة أعطوها كارهين. فقد علم العرب المسلمون أن الخليفة بعد النبي هو وصيه علي بن أبي طالب ,فلما قام أبوبكر بالامر واأنتحل الخلافة غضب المسلمون على ذلك وقاطعوا الخليفة وامتنع بعضهم عن دفع الزكاة للخليفة . تأمل قول حارثة بن سراقة : ( نحن أنما أطعنا رسول لله إذ كان حياً , ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه, وأما ابن أبي قحافة ( ابوبكر) فماله طاعة في رقابنا ولابيعة), فهو يذكر أنه لن يكون معارضا لو قام رجل من آل بيت النبي  .
إن المؤرخين خلطوا عن عمد في حروب تثبيت حكم أبي بكر وأضافوا الذين أمتنعوا عن دفع الزكاة الى الذين أدعوا النبوة وهم الثلاثة ( مسيلمة , سجاح, الاسود العنسي) وجعلوهم في خانة واحدة أطلقوا عليها اسم (المرتدون عن الدين). وكان ذلك عين ماقام به أبوبكر وحكومته, فقد جعلوا الذين أدعوا النبوة والذين امتنعوا عن دفع الزكاة والضريبة المالية في خانة واحدة. هذه المغالطة لحقائق التاريخ دُرست في المدارس فصارت كحقيقة لاتقبل النقض!. نعود لنكمل ماحدث في اليمن وحضرموت وكندة :
بعد الذي حدث خرج لبيد زياد من حي كندة  ولما سار على مسيرة يومين منهم أطمأن فأرسل رسالة الى حارثة بن سراقة يهدده ويتوعد كندة , يقول لبيد في رسالته
(نقاتلكم في الله والله غالبُ على أمره حتى تطيعوا أبا بكر
وحتى تقولوا بعد خزي وذلة رضينا بإعطاء الزكاة على القسر)( الردة للواقدي). تأمل قوله ( حتى تطيعوا أبابكر) , وذلك تصريح بأن التمرد كان ضد ولاية أبي بكر وليس ردة عن الدين!
وغضبت أحياء كندة لذلك فيروي الواقدي أن الاشعث بن قيس وهو من رؤوساء كندة قال  :
(يامعشر كندة, إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة وألزموا بلادكم وحوطوا حريمكم , وأمنعو زكاة أموالكم , فإني أعلم أن العرب لاتقر بطاعة بني تيم بن مرة ( يعني بهم قوم أبي بكر ) وتدع سادات البطحاء من بني هاشم الى غيرها). تأمل قوله ,إن المشكل الاول هو عدم القبول بإمارة أبي بكر على الناس, لأن الناس كانوا يعرفون أن الوصي بعد النبي هو علي بن ابي طالب فهو سيد بني هاشم بعد رحيل النبي محمد (ص). ثم يستأنف الاشعث شعرا فيقول:
(لعمري لئن كانتْ قُريشٌ تتابعت على بيعة بعد الرسول وسمَّحوا
بها لبني تيم بن مُرَّة جهرةَ وسمُّوا عتيقا عند ذاك وصرحوا
أميراَ ونحُّوا عنه آل محمد وكانوا بها أولى هناك وأصلح
وإن صلحت في تيم مرة إمرةُ ففي كندة الاملاك أحرى وأصلح)( الردة للواقدي)
في هذه الكلمات والابيات يتبين أن قبائل كندة كغيرها من العرب لم تقبل بأمارة أبي بكر الذي هو من قبيلة تيم واسم أبوبكر هو عتيق ولذلك قال الاشعث : وسموا عتيقا عند ذاك وصرحوا.
ويكمل الواقدي  : (ثم أنه (يعني زياد بن لبيد) سار إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو ذهل بن معاوية, فخبرهم بما كان من قومهم إليه, ودعاهم الى السمع والطاعة, فأقبل إليه رجل من سادات القوم يقال له الحارث بن معاوية فقال له :  يازياد إنك لتدعو إلى طاعة لرجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد! فقال له زياد بن لبيد : صدقت , فإنه لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد , ولكن اخترناه لهذا الأمر, فقال له الحارث : أخبرني فلم نحَّيتم عنها أهل بيته؟ وهم أحق الناس بها لأن الله عزوجل يقول ( وأُولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله )( الانفال75 ). فقال له زياد بن لبيد : إن المهاجرين والانصار أنظر لأنفسهم منك, فقال له الحارث بن معاوية: لا والله, ما أزلتموها عن أهلها إلا حسدا منكم لهم , ومايستقر في قلبي أن رسول الله خرج من الدنيا ولم ينصب للناس علماً يتبعونه, فأرحل عنا أيها الرجل فإنك تدعو إلى غير رضا. ثم أنشأ يقول:
كان الرسول هو المطاع فقد مضى صلى عليه الله لم يستخلف
هذا مقالك يازياد فقد أرى أن قد أتيت بقول سوء مُخلف)( انتهى كلام الواقدي)
تأمل قول الرجل : وما يستقر في قلبي أن الرسول خرج من الدنيا ولم ينصب للناس علما يتبعونه! فالرجل عرف بالبداهة أن النبي لايمكن أن يرحل عن الدنيا دون أن ينصب إماما للناس, فلم يرض بأمارة أبي بكر وعرف أنها سوء تدبير من قريش إذ نحت الأمر عن آل بيت النبي (ص). من المهم معرفة أن آل البيت في اللغة هم أقارب الرجل في الدم, فلا يقول قائل أن أبابكر وغيره من ال البيت لأن ابنته عائشة زوجة محمد, فهذا قول فاسد يقول به غير المطلع على معاني لغة العرب. فآل بيت النبي هم من تربطهم به رابطة دم وليس رابطة زيجة , فعلي بن أبي طالب هو سيد آل بيت النبي بعد النبي, وهذا خارج عن بحثنا الآن . ثم يكمل الواقدي :
(فوثب عرفجة بن عبد الله الذهلي فقال: صدق والله الحارث بن معاوية , أخرجوا هذا الرجل عنكم, فما صاحبه بأهل للخلافة ولايستحقها بوجه من الوجوه, وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الامة من نبيها وأنشأ يقول
فمن مبلغ عنا عتيقا رسالة لبستَ لباس الظالمين علانية
لحا الله من أعطاك طاعة بيعةِ مقرَّاً ولا أبقى له الدهر باقية
أتملكها دون القرابة ظالما لك الذبحُ ذرها آنما هي عارية)( انتهى كلام الواقدي) ,وقوله عتيقا يعني به أبا بكر .عاد زياد الى الخليفة أبوبكر ليخبره بما حصل وبعدم أنصياع قبائل كندة لأمارته وامتناعهم عن دفع الزكاة لدار الخلافة في المدينة , فهيأ له أبوبكر جيشا وسار زياد من المدينة في أربعة ألف مقاتل نحو حضرموت لأجبار الناس على بيعة أبي بكر ولدفع أسهم الزكاة والخمس والصدقات اليه. وسار زياد بالجيش يقتل من يعارضه, وكان أن دخل الى حي من بني كندة يقال لهم بنو هند فكبسهم وقاتلهم وقتل منهم جماعة فانهزموا . روى الواقدي ( وأحتوى المسلمون على نسائهم وذراريهم وأموالهم)( الردة للواقدي) ! تأمل أن جيش ابي بكر يقتل الناس المسلمين وينهب أموالهم ويتخذ نسائهم  جواريا. ثم يروي الواقدي وحشية جيش زياد بن لبيد فيقول ( ثم سار زياد بن لبيد إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو العاتك فوافاهم وهو غافلون, فلما أشرفت الخيل عليهم تصايحت النساء وخرج الرجال الى الحرب فاقتتلوا ساعة ووقعت الهزيمة عليهم . فأنهزموا وأسلموا ديارهم ونساءهم وأموالهم , فاحتوى المسلمون على جميع ذلك!)  وقوله : واحتوى المسلمون على ذلك, يعني به أنهم أستولوا على النساء والاموال. ويمضي زياد بن لبيد في مهمته يقتل الناس ويسبي النساء حتى يأتي الى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو حجر فيقتل منهم مائتا رجل ويأسر خمسين رجلا منهم, وكذلك يحتوي جيشه على قليلهم وكثيرهم. ويفعل زياد مثل ذلك في حي بن جمر وهم من أحياء كندة فيوقع القتل فيهم ويسبي النساء والذراري والأموال . ثم يتصدى لزياد جيش الاشعث بن القيس الكندي وتقع معركة كبيرة يقتل فيها من جيش زياد أكثر من ثلاث مائة رجل كما يروي الواقدي, ويحاصر جيش الاشعث زياد بن لبيد وجيشه,فيكتب زياد بن لبيد الى المهاجر بن أمية وهو قائد جيش آخر من جيوش ابي بكر يستنجده فيأتي المهاجر بألف فارس لكنهم يقعوا في كمين آخر ينصبه لهم جيش الاشعث الكندي فيقعوا كذلك في حصار. فيستنجد زياد بن لبيد بالخليفة أبا بكر فينجدهم بجيش قوامه ألفين فارس ويجعل عليه عكرمة بن أبي جهل قائدا فيسير عكرمة الى صنعاء ثم الى مأرب, فلما يعلم أهل منطقة أسمها دُبا بقدوم جيش عكرمة بن أبي جهل يغضبوا على مسيرته الى محاربة كندة, فيقول بعضهم لبعض واللفظ للواقدي: ( وجعل بعضهم يقول لبعض تعالوا نشغل عكرمة عن محاربة بني عمنا من بني كندة وقبائل اليمن, فعزموا على ذلك ووثبوا على (حذيفة بن عمرو) عامل الخليفة عليهم فطردوه عن بلدهم )( الردة للواقدي).فيرسل عكرمة رسالة الى أبي بكر يخبره بما فعل أهل دُبا فيغضب ابوبكر ويكتب الى عكرمة ( أما بعد فإن قرأت كتابي هذا فسر إلى أهل دبا على بركة الله فأنزل بهم ماهم أهل له , ولاتقصر فيما كتبت به إليك, فإذا فرغت من أمرهم فابعث إلي بهم أسارى وسر إلى زياد بن لبيد , فعسى الله أن يفتح على يديك بلاد حضرموت!).( الردة للواقدي, الفتوح لابن أعثم الكوفي ج1)   فسار اليهم عكرمة حسب أوامر الخليفة حتى  : ( قتل منهم زهاء عن مائة رجل ثم سار اليهم عكرمة يريد قتالهم ثانية ودخل القوم مدينتهم فتحصنوا فيها ونزل بهم عكرمة وحاصرهم وضيق عليهم واشتد عليهم الحصار لأنهم لم يكونوا أعتادوا لذلك, فارسلوا الى عاملهم حذيفة بن عمرو يسألونه الصلح على أنهم يؤدون الزكاة ويرجعونه الى محبته , وينصرف عنهم عكرمة . فارسل أليهم عاملهم ( أنه لاصلح بيننا وبينكم, إلا على الإقرار منكم أنا على الحق وأنتم على الباطل وأن قتيلنا في الجنة وقتيلكم في النار , وعلى انا نحكم فيكم بما رأينا) . قال : فأجابوه إلى ذلك , فأرسل أليهم أن أخرجوا الان عن مدينتكم بلا سلاح, ففعلوا ذلك ودخل المسلمون إلى حصنهم فقتلوا أشرافهم, وسبوا نساءهم وأولادهم وأخذوا أموالهم ووجه برجالهم إلى أبي بكر وهم ثلاث مائة رجل من المقاتلة , وأربع مائة من النساء والذراري) (الردة للواقدي , الفتوح لابن أعثم ج1).
 هذه الوحشية والغدر بعد الامان ,وهذه الدماء التي أريقت هي نزر من معارك طويلة , و كل ذلك بسبب تسدي أبوبكر للخلافة وتشبثه بها وليس للردة عن الاسلام دورا في ذلك. إن القوم رفضوا منصب ابي بكر كخليفة بعد النبي , وعلموا بالبداهة  أن الخليفة بعد النبي رجل من اهل بيته وهو أحق بها منه. لقد أمتنع القوم عن الزكاة لعلمهم بأن الخليفة الذي يأخذ اموالهم هو ليس بالرجل المناسب وأنه أغتصب الملك أغتصابا فأطلق عليهم أبوبكر وحكومته تسمية المرتدين .
إن الواقدي يلطف في سرده عندما ذكر: ( ووجه برجالهم الى أبي بكر وهم ثلاث مائة رجل من المقاتلة) , فقد أضاف كلمة المقاتلة لرجالهم ليظهر أن العقوبة وقعت على المقاتلين فقط لكن الجملة التي تلتها ضمت للرجال (.. أربع مائة من النساء والذراري), فهل كانت النساء والذراري من المقاتلة أيضاً؟
أمر الخليفة  بحبس القوم الاسرى :( فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فلم يزالوا هناك الى أن توفى أبوبكر) ( الردة للواقدي ص 200) . أي أن فترة حبسهم دامت أكثر من سنتين! فلما مات أبوبكر وقام عمر بن الخطاب بالخلافة أطلق سراحهم. ويذكر الواقدي أنه بعد تلك المدة في الحبس تفرق المساكين في البلدان فرجع بعضهم الى قومه وذهب بعض الى البصرة  كحال أي لاجئ إنقطع عن موطنه فصار غريباً , فأي جريمة أرتكب هؤلاء الناس؟ وماذنب النساء والاطفال؟
يذكر الواقدي وكذلك ابن أعثم في الفتوح أن أبابكر لم يكن يريد أن يضعهم في السجن أول الامر فقد عزم على ذبح الرجال وتفريق النساء المسلمات جواري على أهل المدينة ولكن  عمر وغيره من أعضاء حكومته خففوا من حدته وأشاروا عليه بأن القوم لايستحقون ذلك فأخذته الرأفة فسجنهم !




مذبحة أخرى لتثبيت الحكم , مالك بن نويرة!
المتصفح لكتب التاريخ الرواية لحروب تثبيت حكم الخليفة الاول,  لايمكنه تجاهل مذبحة أخرى أرتكبت بأمر الخليفة الاول  وهي مذبحة بني تميم ومقتل شيخ تلك القبيلة المسلم مالك بن نويرة. تمكنت حكومة أبي بكر أن تمرر تلك الجريمة وتضعها تحت خانة  حروب الردة كذلك . فمن هو مالك بن نويرة ومن هم بنو تميم ؟
(مالك بن نويرة التميمي اليربوعي أسلم في زمن النبي وهو الذي يضرب به المثل ، فيقال مرعى ولا كسعدان ، وماء ولا كصداء وفتى ولا كمالك . وكان فارسا شاعرا مطاعا في قومه ، وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمة كبيرة ( كثير الشعر وجميله) ، وكان يقال له الجفول(سريع النجدة لمن يطلبها منه)( وفيات الاعيان لابن خلكان , ترجمة مالك بن نويرة). أسلم بنو يربوع بأسلامه وولاه رسول الله صدقات قومه ثقة به واعتمادا عليه ( أسد الغابة لابن الاثير ج4 ص 298 . الاصابة لابن حجر ج3 ص 236).  
بعد وفاة النبي امتنع مالك بن نويرة عن اداء الزكاة الى ابي بكر, لعلمه أن تأدية الزكاة والخمس ستكون لمن يأتي بعد النبي وهو علي بن أبي طالب , فلما أتاه خبر خلافة ابي بكر امتنع عن اداء الزكاة والخمس وقال لقومه:(  : يابني تميم, إنكم قد علمتم بأن محمد بن عبد الله كان قد جعلني على صدقاتكم قبل موته، وقد هلك محمد ومضى لسبيله ولابد لهذا الأمر من قائم يقوم به. فلا تُطعما أحدا في أموالكم و فأنتم أحق بها من غيركم)( الردة للواقدي, باب مالك بن نويرة ومسيلمة )
ثم أنشد شعرا وكان مما قاله
فقلت خذوا أموالكم غير خائفٍ                ولا ناظرٍ ماذا يجيء مع الغد
فإن قـام بالديـن المحوّق قائمٌ                أطعنا وقلنا الدين دين محمد
 ( الردة للواقدي , الإصابة للعسقلاني ج 5 ص 560)
وقوله (قام بالدين المحوق قائم ) فقد يعني به عليا بن أبي طالب.
ثم يكمل الواقدي :( وبلغ شعره وكلامه أبابكر والمسلمين فازدادوا عليه حنقاً وغيظاً, واما خالد بن الوليد فإنه حلف وعاهد الله لئن قدر عليه ليقتلنه وليجعلن رأسه أُثفية للقدر). أثفية القدر هي الحجارة التي توضع تحت القدر عند أشعال النار , وذلك ماتم حيث قتله خالد بعد أن أعطاه وقومه الامان, ثم ضع رأسه مع رؤوس قومه تحت القدور واحرقوهم لتسخين الطعام في القدور, فيا لها من وحشية  يأنف من فعلها  الوحوش الكاسرة , لكن خالد بن الوليد فعل ذلك بهذا الرجل المسلم الذي كانت جريمته هي امتناعه عن دفع الزكاة لمن أنتحل الخلافة واغتصب السلطة. في عرف قوانين الدولة تعتبر جريمة خالد جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد, فخالد يقول قبل الحرب بأنه سيجعل رأسه اثفية للقدر ثم يحقق ذلك .



قصة الغدر
أمر الخليفة الاول ابوبكر قائد جيشه خالدبن الوليد بالسير الى قوم مالك بن نويرة وحربهم واخذ مال الزكاة والخمس منهم, ولما قدم خالد بن الوليد البطاح (البطاح منطقة قريبة من قوم مالك بن نويرة)، بث السرايا وأمرهم بإعلان الأذان رمز الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يجب داعي الإسلام، ومن يمتنع يقتلوه. روى الواقدي:
(ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم, وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة, قال: فوقفت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة وإذا هو في حائط له, ومعه أمرأته وجماعة من بني عمه. قال: فلم يعلم مالك إلا والخيل قد أحدقت به, فاخذوه أسيراً , وأخذوا أمرأته معه, وكانت بها مُسحة من جمال. وقال : وأخذوا كل ماكان من بني عمه , فاتوا بهم الى خالد بن الوليد حتى أوقفوه بين يديه. قال : فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بِديَأَ ( أي أولاً), فقال القوم : إنا مسلمون فعلام تضرب أعناقنا؟ قال خالد : والله لأقتلنكم! فقال له شيخ منهم : أليس قد نهاكم أبوبكر أن تقتلوا من صلى إلى القبلة. فقال خالد: بلى قد أمرنا بذلك , ولكنكم لم تصلوا ساعة قط. قال : فوثب أبو قتادة الى خالد بن الوليد وقال: إني أشهد أنه لاسبيل لك عليهم. قال خالد : وكيف ذلك؟ قال : لأني كنت في السرية التي وافتهم , فلما نظروا إلينا قالوا: من أنتم ؟ قلنا : نحن المسلمون, فقالوا : ونحن المسلمون, ثم اذنا وصلينا وصلوا معنا . فقال خالد : صدقت ياقتادة, إن كانوا قد صلّوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم, ولابد من قتلهم. قال : فرفع شيخ منهم صوته يقول:
يامعشر الاشهاد إن أميركم أمر الغداةَ ببعض مالم يُؤمر
حَرُمت عيه دماؤنا بصلاتنا والله يلعم أننا لم نكفر
أن تقتلونا تقتلوا أخوانكم والراقصات إلى منى والمشفر
ياابن المغيرة إن فينا خطة شنعاء فاحشةً فخذها أو ذر
قال: فلم يلتفت خالد بن الوليد الى مقالة الشيخ , فقدمهم وضرب أعناقهم على آخرهم. قال : وكان قتادة قد عاهد الله أن لايشهد مع خالد مشهداَ أبداَ بعد ذلك اليوم. قال : ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه , فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة. فقال خالد : لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا امرت قومك بمنعها , والله لما قلت بما في مقامك حتى أقتلك. قال فالتفت مالك بن نويرة الى أمرأته فنظر أليها ثم قال : ياخالد , بهذا تقتلني. فقال خالد : بل لله أقتلك برجوعك عن دين الاسلام وجفلك لأبل الصدقة وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم. قال ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبراً. فيقال أن خالد بن الوليد تزوج بأمرأة مالك , ودخل بها وعلى ذلك أجمع أهل العلم.
وفي ذلك يقول حوى بن زهرة  السعدي :
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك * تطاول هذا الليل من بعد مالك
قضى خالد بغيا عليه لعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك
فأمضى هواه خالد غير عاطف * عنان الهوى عنها ولا متمالك
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك * على غير شئ هالكا في الهوالك
فمن لليتامى والأرامل بعده ؟ * ومن للرجال المعدمين الصعالك ؟
(عن الردة للواقدي)

تأمل قول المؤرخ : (ويقال أن خالد بن الوليد تزوج بأمرأة مالك)! فهو لايريد تأكيد ذلك ولكنه يذكر قصيدة حوى بن زهرة السعدي وفيها يقول : (قضى خالد بغيا على لعرسه وكان له فيها هوى كذلك.) فيضمن معنى ذلك أن خالد تزوج زوجة مالك بن نويرة الجميلة في ليلة قتل زوجها .وقد أكد غير الواقدي من المؤرخين هذه الوقعة وقصة اغتصاب الزوجة ومنهم:
(تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 3 ص 224 ,  الإصابة لابن حجر ج 5 ص560 , مختار الأغاني ج 7 ص 105 ,حياة الصحابة للكاندهلوي ج 2 ص 468 نقلاً عن كنز العمال ج 2 ص 122. تاريخ أبى الفداء ج 1 ص 158 ، وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6 ص 14. وقد جمع هذه المصادر العلامة شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد )
ويروي العلامة شرف الدين :
(وكان خالد قد أمر بحبس تلك السراة الأسرى من قوم مالك ، فحبسوا والبرد شديد فنادى مناديه في ليلة مظلمة أن أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة كناية عن القتل فقتلوهم بأجمعهم . وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده ، أن يقتلوهم عند سماعهم هذا النداء ، وتلك حيلة منه توصل بها إلى أن لا يكون مسئوولا عن هذه الجناية ، لكنها لم تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر وانما خفيت على رعاع الناس وسوادهم بقوة الساسة والسياسة ).( عن كتاب النص والاجتهاد للعلامة شرف الدين) .بعد مقتل مالك والزواج من ارملته في ليلة قتله يعود خالد الى المدينة لمواجهة ابي بكر! روى التاريخ:
 (وأقبل خالد من الميدان إلى المدينة ، ودخل المسجد في عدة الحرب مرتديا قباءا له ، صدأ الحديد ، وقد غرز في عمامته أسهما ، وقام إليه عمر إذ رآه يخطو في المسجد ، فنزع الأسهم من رأسه وحطمها وهو يقول : قتلت امرؤا مسلما ثم نزوت على امرأته ، والله لارجمنك بالأحجار) ( النص والاجتهاد لشرف الدين , وعن تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 110 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 ص 158 ،تاريخ الطبري ج 3 ص280 ،  الاصابة للعسقلاني ج 3ص336)
ويروي  العسقلاني أن قاتل مالك بن نويرة هو ضرار الاسدي قتله بأمر خالد بن الوليد فيقول ( فقتله ضرار, ثم خلفه خالدا على زوجته . فقدم أخو (القتيل)مالك بن نويرة واسمه متمم على الخليفة أبي بكر فأنشده مرثية أخيه وناشده في دمه وفي سبيهم . فرد أبوبكر السبي( الاسرى) وقال لخالد طلق أرملة مالك بن نويرة)( باختصارعن الاصابة للعسقلاني ج 5ص 56). وكذلك بن بكار فقال ( أن ابابكر أمر خالداً أن يفارق زوجة مالك!)( الموفقيات للزبير بن بكار)
صار خالد بن الوليد وفق الشرع الاسلامي زانيا ,فالزواج لايصح لامرأة مات زوجها أو طلقها ألا بعد أن تقضي مدة العدة هي ثلاثة أشهر , لكن خالدا دخل بأمرأة مالك في ليلة القتل ذاتها , وتغافل الخليفة عن جريمة الزنا تلك وعطل حد من حدود الله. لقد كان خالد  عازماً على جعل رأس مالك بن نويرة أثفية للقدر قبل الذهاب في حملته , وهذا يعني ان جريمته  مدبرة مع سبق الاصرار!  لقد شهد ابو قتادة الانصاري وعبدالله بن عمر  لمالك بن نويرة  بالاسلام , فقد صلى القوم معهم صلاة واحدة كما تقدم ذكره , لكن خالدا ابى الا ان يمضي سيفه بحجة أن مالكا بن نويرة منع الزكاة, بينما النبي محمد (ص) قد بين للمسلمين حدودهم بقوله : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله ) (  صحيح مسلم ج1 ص 30، وكذلك في سنن ابن ماجة ) , هذا الحديث للنبي (ص) ينص على تحريم قتل الناس الذين يقولوا لا اله الا الله, لكن خالد تناسى هذا الحديث المشهور للنبي ومضي في جريمته فقتل الرجل وأصحابه ثم نزا على زوجته في ليلة القتل! فمن ياترى اباح لخالد تلك الجسارة على المسلم المظلوم مالك بن نويرة ؟ علم خالد أن ماسيفعله سوف يرضي ابوبكر, فمضى في غروره واسقط عنه الخليفة حدا من حدود الله ,  فمن يجسر بعد تلك الجريمة أن لايبايع للخليفة؟ بعد مقتل مالك بن نويرة ومقتل رجال عشيرته لم تجد باقي القبائل  سوى الرضوخ للخليفة والقبول بحكمه.

 لمزيد من قراءة راجع
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/blog-post_1145.html

1 comment: